للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَدْرِي مَا وَجْهُ هَذَا التَّأْوِيلِ لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ عيد ولا زكاة فطر.

قلت [١] : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النُّزُولُ سَابِقًا عَلَى الْحُكْمِ كَمَا قَالَ: وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (٢) ، [الْبَلَدِ: ٢] .

فَالسُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، وَظَهَرَ أَثَرُ الْحِلِّ يَوْمَ الْفَتْحِ حَتَّى «٢٣٣٢» قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» وَكَذَلِكَ نَزَلَ بِمَكَّةَ: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) [الْقَمَرِ: ٤٥] .

«٢٣٣٣» قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كُنْتُ لَا أَدْرِي أَيَّ جَمْعٍ يُهْزَمُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَثِبُ فِي الدِّرْعِ وَيَقُولُ: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ» .

وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥) أَيْ وَذَكَرَ ربه فصلى، وقيل: الذِّكْرُ تَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ وَالصَّلَاةُ صَلَاةُ الْعِيدِ، وَقِيلَ: الصَّلَاةُ هَاهُنَا الدُّعَاءُ.

بَلْ تُؤْثِرُونَ، قرأ أبو عمرو ويعقوب بِالْيَاءِ يَعْنِي الْأَشْقَيْنَ الَّذِينَ ذُكِرُوا وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ دَلِيلُهُ قِرَاءَةُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «بَلْ أَنْتُمْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا» .

وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٧) ، قَالَ عَرْفَجَةُ الْأَشْجَعِيُّ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ لَنَا:

أَتَدْرُونَ لِمَ آثَرْنَا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: لِأَنَّ الدُّنْيَا أُحْضِرَتْ وَعُجِّلَ لَنَا طَعَامُهَا وَشَرَابُهَا وَنِسَاؤُهَا وَلَذَّاتُهَا وَبَهْجَتُهَا، وَأَنَّ الْآخِرَةَ نُعِتَتْ لَنَا وَزُوِيَتْ عَنَّا فَأَحْبَبْنَا الْعَاجِلَ وَتَرَكْنَا الْآجِلَ.

إِنَّ هَذَا، يَعْنِي مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) ، إِلَى أَرْبَعِ آيَاتٍ، لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى، أي الْكُتُبِ الْأُولَى الَّتِي أُنْزِلَتْ قَبْلَ الْقُرْآنِ ذَكَرَ فِيهَا فَلَاحَ الْمُتَزَكِّي وَالْمُصَلِّي وَإِيثَارَ الْخَلْقِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وأن عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ الْآخِرَةَ خَيْرٌ وَأَبْقَى.

ثُمَّ بَيَّنَ الصُّحُفَ فَقَالَ: صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (١٩) ، قَالَ عِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ: هَذِهِ السُّورَةُ فِي صُحُفِ إبراهيم وموسى.

«٢٣٣٤» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ أنا محمد بن


٢٣٣٢- يأتي في سورة النصر عند آية: (١) من حديث أبي هريرة.
٢٣٣٣- تقدم في سورة القمر.
٢٣٣٤- صحيح. دون ذكر المعوّذتين، فإنه حسن.
- إسناده حسن، رجاله رجال البخاري ومسلم، لكن سعيد فيه كلام لذا قال الحافظ في «التقريب» : صدوق. وشيخه أيضا، يحيى بن أيوب فيه كلام، وقال عنه الحافظ: صدوق ربما أخطأ.
- وهو في «شرح السنة» ٩٦٨ بهذا الإسناد.
- وأخرجه الحاكم ١/ ٣٠٥ و٢/ ٥٢٠ والطحاوي في «المعاني» ١/ ٢٨٥ وابن حبان ٢٤٣٢ والدارقطني ٢/ ٣٥ من طرق عن سعيد بن كثير بن عفير به.
- وأخرجه ابن حبان ٢٤٤٨ من طريق ابن أبي مريم عن يحيى بن أيوب به.
- وأخرجه الترمذي ٤٦٣ والحاكم ٢/ ٥٢٠- ٥٢١ والبيهقي ٣/ ٣٨ والبغوي ٩٦٩ من طريق إسحاق بن إبراهيم بن حبيب عن محمد بن سلمة الحراني عن خصيف عن عبد العزيز بن جريج عن عائشة بنحوه، وإسناده ضعيف، خصيف سيىء الحفظ، وعبد العزيز لم يسمع من عائشة كما قال الحافظ في «التقريب» .
(١) ما بين المعقوفتين في المطبوع. «قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحْيِي السَّنَةِ رحمه الله» وزيد في نسخة «ط» زيادة أكبر والمثبت عن المخطوط، وهو الصواب، فإن السلف لا يمتدحون أنفسهم بأعلى أوصافه، وهو تصرف من النساخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>