للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ، قرأ ابن عامر (وإذ أَنْجَاكُمْ) ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ الشَّامِ، مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ، قرأ نافع «يقتلون» خفيفة التاء مِنَ الْقَتْلِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى التَّكْثِيرِ مِنَ التَّقْتِيلِ، وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ.

وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً، ذا الْقِعْدَةِ، وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ، مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى عِنْدَ انْطِلَاقِهِ إِلَى الْجَبَلِ لِلْمُنَاجَاةِ لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي، كُنْ خَلِيفَتِي، فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ، أَيْ: أَصْلِحْهُمْ بِحَمْلِكَ إِيَّاهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ الرِّفْقَ بِهِمْ وَالْإِحْسَانَ إِلَيْهِمْ، وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ، أَيْ: لَا تُطِعْ مَنْ عَصَى اللَّهَ وَلَا تُوَافِقْهُ عَلَى أَمْرِهِ وَذَلِكَ أَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُمْ بِمِصْرَ أَنَّ اللَّهَ إِذَا أَهْلَكَ عَدُوَّهُمْ أَتَاهُمْ بِكِتَابٍ فِيهِ بَيَانُ مَا يَأْتُونَ وَمَا يَذَرُوَنَ! فَلَمَّا فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِمْ سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ الْكِتَابَ فَأَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، فلما تمّت الثلاثون أَنْكَرَ خُلُوفَ فَمِهِ فَتَسَوَّكَ بِعُودِ خرنوب، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: أَكَلَ مِنْ لِحَاءِ شَجَرَةٍ فَقَالَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كُنَّا نَشُمُّ مِنْ فِيكَ رَائِحَةَ الْمِسْكِ، فَأَفْسَدْتَهُ بِالسِّوَاكِ فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَصُومَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عندي من ريح المسك، وكانت فِتْنَتُهُمْ فِي الْعَشْرِ الَّتِي زَادَهَا.

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ، أَيْ: لِلْوَقْتِ الَّذِي ضَرَبْنَا لَهُ أَنْ نُكَلِّمَهُ فِيهِ.

قَالَ أَهْلُ التفسير: إن موسى تَطَهَّرَ وَطَهَّرَ ثِيَابَهُ لِمِيعَادِ رَبِّهِ فلما أَتَى طُورَ سَيْنَاءَ. وَفِي الْقِصَّةِ: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ ظلة [١] على أربعة فَرَاسِخَ وَطَرَدَ عَنْهُ الشَّيْطَانَ وَطَرَدَ [عَنْهُ] [٢] هَوَامَّ الْأَرْضِ وَنَحَّى عَنْهُ الملكين [٣] وكشط له السماء، فرأى الْمَلَائِكَةَ قِيَامًا فِي الْهَوَاءِ وَرَأَى الْعَرْشَ بَارِزًا وَكَلَّمَهُ اللَّهُ وَنَاجَاهُ حَتَّى أَسْمَعَهُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَهُ فَلَمْ يَسْمَعْ مَا كلّمه [به] [٤] رَبُّهُ وَأَدْنَاهُ حَتَّى سَمِعَ صَرِيرَ الْقَلَمِ فَاسْتَحْلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَلَامَ رَبِّهِ وَاشْتَاقَ إِلَى رُؤْيَتِهِ، قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، قَالَ الزَّجَّاجُ: فِيهِ اخْتِصَارٌ تَقْدِيرُهُ أَرِنِي نَفْسَكَ أَنْظُرْ إِلَيْكَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَعْطِنِي النَّظَرَ إِلَيْكَ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ سَأَلَ الرُّؤْيَةَ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُرَى فِي الدُّنْيَا؟ [قَالَ الْحَسَنُ: هَاجَ بِهِ الشَّوْقُ فَسَأَلَ الرُّؤْيَةَ. وَقِيلَ: سَأَلَ الرُّؤْيَةَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَى فِي الدُّنْيَا] قالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَنْ تَرانِي، وَلَيْسَ لِبَشَرٍ أَنْ يُطِيقَ النَّظَرَ إِلَيَّ فِي الدُّنْيَا مَنْ نَظَرَ إِلَيَّ فِي الدُّنْيَا مَاتَ، فَقَالَ: إِلَهِي سَمِعْتُ كَلَامَكَ فَاشْتَقْتُ إِلَى النَّظَرِ إِلَيْكَ وَلَأَنْ أَنْظُرَ إِلَيْكَ ثُمَّ أَمُوتُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعِيشَ وَلَا أَرَاكَ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ، وَهُوَ أَعْظَمُ جَبَلٍ بِمَدْيَنَ يُقَالُ لَهُ زُبَيْرٌ. قَالَ السُّدِّيُّ: لَمَّا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى غَاصَ الْخَبِيثُ إِبْلِيسُ فِي الْأَرْضِ حَتَّى خرج من بين قدمي


(١) في المطبوع «ظلمة» .
(٢) زيادة عن المخطوط وط.
(٣) في المخطوط «الملئكة» .
(٤) زيادة عن المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>