للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

احْتَرَقْتُ وَإِنْ مَكَثْتُ مِتُّ، فَقَالَ لَهُ كَبِيرُ الْمَلَائِكَةِ وَرَأَسُهُمْ: قَدْ أَوْشَكْتَ يَا ابْنَ عِمْرَانَ أَنْ يَشْتَدَّ خَوْفُكَ وَيَنْخَلِعَ قَلْبُكَ فَاصْبِرْ لِلَّذِي سَأَلْتَ، ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ أن يحمل عرشه مَلَائِكَةِ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَلَمَّا بَدَا نُورُ الْعَرْشِ انْفَرَجَ الْجَبَلُ مِنْ عَظَمَةِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ، وَرَفَعَتْ ملائكة السموات أصواتهم جميعا يقولون: سبحان الملك الْقُدُّوسِ رَبِّ الْعِزَّةِ أَبَدًا لَا يَمُوتُ بِشِدَّةِ أَصْوَاتِهِمْ، فَارْتَجَّ الْجَبَلُ وَانْدَكَّتْ كُلُّ شَجَرَةٍ كَانَتْ فِيهِ وَخَرَّ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ مُوسَى صَعِقًا عَلَى وَجْهِهِ لَيْسَ مَعَهُ رَوْحُهُ، فأرسل الله برحمته الروح فيغشاه، وَقَلَبَ عَلَيْهِ الْحَجَرَ الَّذِي كَانَ موسى عليه وَجَعَلَهُ كَهَيْئَةِ الْقُبَّةِ لِئَلَّا يَحْتَرِقَ مُوسَى، فَأَقَامَهُ الرُّوحُ مِثْلَ اللَّامَةِ [١] ، فقام موسى يسبّح الله وَيَقُولُ: آمَنْتُ بِكَ رَبِّي وَصَدَّقْتُ أَنَّهُ لَا يَرَاكَ أَحَدٌ فَيَحْيَا، مَنْ نَظَرَ إِلَى مَلَائِكَتِكَ انْخَلَعَ قَلْبُهُ فَمَا أَعْظَمَكَ وَأَعْظَمَ مَلَائِكَتَكَ أَنْتَ رَبُّ الْأَرْبَابِ وَإِلَهُ الْآلِهَةِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ، وَلَا يَعْدِلُكَ شَيْءٌ وَلَا يَقُومُ لَكَ شَيْءٌ، رَبِّ تُبْتُ إِلَيْكَ الْحَمْدُ لَكَ لَا شريك لك ما أعظمك ما أَجَلَّكَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ظَهَرَ نُورُ رَبِّهِ لِلْجَبَلِ جَبَلِ زُبَيْرٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَظْهَرَ اللَّهُ مِنْ نُورِ الْحُجُبِ مِثْلَ مَنْخَرِ ثَوْرٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ: مَا تَجَلَّى مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ لِلْجَبَلِ إِلَّا مَثَّلُ سَمِّ الْخِيَاطِ حَتَّى صَارَ دَكًّا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: مَا تَجَلَّى إِلَّا قَدَرَ الْخِنْصَرِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا:

«٩٤٠» رَوَى ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ وَقَالَ «هَكَذَا» وَوَضَعَ الْإِبْهَامَ عَلَى الْمَفْصِلِ الْأَعْلَى مِنَ الْخِنْصَرِ، «فَسَاخَ الْجَبَلُ» .

وَحُكِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَظْهَرَ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفِ حِجَابٍ نُورًا قَدَرَ الدِّرْهَمِ، فَجَعَلَ الْجَبَلَ دَكًّا. أَيْ: مُسْتَوِيًا بِالْأَرْضِ. قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ دَكَّاءَ مَمْدُودًا غَيْرَ مُنَوَّنٍ هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ الْكَهْفِ، وَافَقَ عَاصِمٌ فِي الْكَهْفِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ دَكًّا مقصورا منوّنا، فمن قصر فَمَعْنَاهُ جَعَلَهُ مَدْقُوقًا: وَالدَّكُّ وَالدَّقُّ وَاحِدٌ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ دَكَّهُ اللَّهُ دكا فتقه كما قال: إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا [الْفَجْرُ:

٢١] ، وَمَنْ قَرَأَ بِالْمَدِّ أَيْ جَعَلَهُ مُسْتَوِيًا أَرْضًا دَكَّاءَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ جَعَلَهُ مِثْلَ دَكَّاءَ وَهِيَ النَّاقَةُ الَّتِي لَا سَنَامَ لَهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلَهُ تُرَابًا. وَقَالَ سُفْيَانُ: سَاخَ الْجَبَلُ فِي الْأَرْضِ حَتَّى وَقَعَ فِي الْبَحْرِ فَهُوَ يَذْهَبُ فِيهِ. وَقَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: صَارَ رَمْلًا هَائِلًا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: جَعَلَهُ دَكًّا أَيْ كسرا جبالا صغارا.


٩٤٠- الراجح وقفه. أخرجه الترمذي ٣٠٧٤ وأحمد (٣/ ١٢٥) والحاكم (٢/ ٣٢٠) والطبري ١٥٠٩٧ وابن عدي في «الكامل» (٢/ ٢٦٠) وابن الجوزي في «الموضوعات» (١/ ١٢٢) من طريقين عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثابت البناني عن أنس به مرفوعا، وهذا إسناد ظاهره الصحة، رجاله رجال مسلم، وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي:
حسن غريب صحيح.
وأعله ابن عدي، وعده من غرائب حماد بن سلمة، وأنه مما دسّ في كتبه.
وقال ابن الجوزي: لا يثبت.
قال ابن عدي الحافظ: كان ابن أبي العرجاء ربيب حماد بن سلمة، فكان يدس في كتبه هذه الأحاديث اه.
وقد صححه الألباني في «صحيح الترمذي» ٢٤٥٨، والذي أراه أنه معلول، لكن لا يتهيأ الحكم عليه بالوضع وإنما الراجح وقفه.
وقد ورد من وجه آخر أخرجه الطبري ١٥٠٩٦ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أنس وهذا إسناد ضعيف، فيه رجل لم يسمّ.
وورد موقوفا، أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» ٤٨٢ و٤٨٣ من طريقين صحيحين عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ أنس وهو على شرط البخاري ومسلم، وهو أصح من المرفوع.
(١) في المخطوط «اللام» .

<<  <  ج: ص:  >  >>