للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.

إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عمرو: يغشيكم بِفَتْحِ الْيَاءِ، النُّعاسَ رَفْعٌ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ [آل عمران: ١٥٤] . قرأ أَهْلُ الْمَدِينَةِ:

يُغَشِّيكُمُ بِضَمِّ الْيَاءِ وكسر الشين خفيف، النُّعاسَ نصب لقوله تعالى: كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ [يونس: ٢٧] ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشين مشدّد، النُّعاسَ نَصْبٌ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ لله عزّ وجلّ لقوله تَعَالَى: فَغَشَّاها مَا غَشَّى (٥٤) [النَّجْمُ: ٥٤] ، وَالنُّعَاسُ: النَّوْمُ الْخَفِيفُ. أَمَنَةً أَمْنًا مِنْهُ، مَصْدَرُ أَمِنْتُ أَمْنًا وَأَمَنَةً وَأَمَانًا. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: النُّعَاسُ فِي الْقِتَالِ أَمَنَةٌ مِنَ اللَّهِ وفي الصلاة مِنَ الشَّيْطَانِ. وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ نَزَلُوا يَوْمَ بَدْرٍ عَلَى كَثِيبٍ أَعْفَرَ تَسُوخُ فِيهِ أقدامهم [١] وحوافر دوابهم [٢] ، وَسَبَقَهُمُ الْمُشْرِكُونَ إِلَى مَاءِ بَدْرٍ وَأَصْبَحَ الْمُسْلِمُونَ بَعْضُهُمْ مُحْدِثِينِ وَبَعْضُهُمْ مُجْنِبِينَ، وَأَصَابَهُمُ الظَّمَأُ وَوَسْوَسَ إِلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، وَقَالَ: تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ عَلَى الْحَقِّ وَفِيكُمْ نَبِيُّ اللَّهِ [وَأَنَّكُمْ على الحق] [٣] ، وَأَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ وَقَدْ غَلَبَكُمُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمَاءِ وَأَنْتُمْ تُصَلُّونَ مُحْدِثِينَ وَمُجْنِبِينَ، فَكَيْفَ تَرْجُونَ أَنْ تَظْهَرُوا عَلَيْهِمْ؟ فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ مَطَرًا سَالَ مِنْهُ الوادي فشرب المسلمون واغتسلوا وتوضّؤوا وسقوا الركاب، وملؤوا الْأَسْقِيَةَ وَأُطْفِأَ الْغُبَارُ وَلَبَّدَ الْأَرْضَ، حَتَّى ثَبَتَتْ عَلَيْهَا الْأَقْدَامُ وَزَالَتْ عَنْهُمْ وَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ، وَطَابَتْ أَنْفُسُهُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى [٤] : وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالْجَنَابَةِ، وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ، ووسوسته، وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ، بِالْيَقِينِ وَالصَّبْرِ، وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ، حَتَّى لَا تَسُوخَ فِي الرَّمْلِ بِتَلْبِيدِ الْأَرْضِ. وَقِيلَ: يُثَبِّتُ بِهِ الْأَقْدَامَ بِالصَّبْرِ وقوّة القلب [للقتال] [٥] .

إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ، الَّذِينَ أَمَدَّ بِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ، أَنِّي مَعَكُمْ، بالعون والنصرة، فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا، أَيْ: قَوُّوا قلوبهم، قيل: [إن] [٦] ذَلِكَ التَّثْبِيتُ حُضُورُهُمْ مَعَهُمُ الْقِتَالَ وَمَعُونَتُهُمْ، أَيْ:

ثَبِّتُوهُمْ بِقِتَالِكُمْ مَعَهُمُ الْمُشْرِكِينَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَيْ: بَشِّرُوهُمْ بِالنَّصْرِ، وَكَانَ الْمَلِكُ يَمْشِي أَمَامَ الصَّفِّ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ وَيَقُولُ: أَبْشِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُكُمْ. سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ، قَالَ عَطَاءٌ:

يُرِيدُ الْخَوْفَ مِنْ أَوْلِيَائِي، فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ، قِيلَ: هَذَا خِطَابٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ. وَقِيلَ: هَذَا خِطَابٌ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، وَهُوَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا، وَقَوْلُهُ: فَوْقَ الْأَعْناقِ، قَالَ عِكْرِمَةُ: يعني الرؤوس لِأَنَّهَا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَعْنَاهُ فَاضْرِبُوا الْأَعْنَاقَ، وَفَوْقَ صِلَةٌ [٧] كَمَا قَالَ تَعَالَى:

فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ [مُحَمَّدٌ: ٤] ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَاضْرِبُوا عَلَى الْأَعْنَاقِ. فَوْقَ بِمَعْنَى: عَلَى.

وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ، قَالَ عَطِيَّةُ: يَعْنِي كُلَّ مُفَصَّلٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَالضَّحَّاكُ:

يَعْنِي الْأَطْرَافَ وَالْبَنَانُ جُمَعُ بَنَانَةٍ، وَهِيَ أَطْرَافُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ. قَالَ ابْنُ الأنباري: كانت الملائكة


(١) في المطبوع وط «الأقدام» .
(٢) في المطبوع وط «الدواب» . [.....]
(٣) زيد في المطبوع وط.
(٤) أخرجه الطبري ١٥٧٨٣ عن ابن عباس، وفيه إرسال بين علي بن أبي طلحة وابن عباس وكرره ١٥٧٨٤ وفيه عطية العوفي ضعيف وعنه مجاهيل. وكرره ١٥٧٨٦ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ عباس وهذا منقطع، وله شاهد من مرسل السدي ١٥٧٨٥، ومع ذلك المشهور في كتب السير أن المسلمين هم الذين غلبوا على الماء من ابتداء الأمر، والله أعلم.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) أي زائدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>