قَالَ أَبُو بكر بن ناهض القرطبيّ: هَذَا التَّأْوِيل حسن فِي إِعَادَة الضَّمِير الَّذِي فِي مصطلاهما إِلَى الأعالي لَوْلَا مَا يدْخل الْبَيْتَيْنِ من فَسَاد الْمَعْنى وَذَلِكَ أنّك إِذا قلت: كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما إنّ مَعْنَاهُ اسودّت الجارتان واصطلى أعاليهما كَمَا أَن معنى قَوْلك الهندان حسنتا الْوُجُوه مليحتا خدودهما إنّما الْمَعْنى
حسنت وُجُوههمَا وملحت خدودهما فَكَذَلِك يجب أَن يكون مصطلاهما إِذا أُعِيد الضَّمِير إِلَى الأعالي أَن يكون قد اصطلت الأعالي وَإِذا اصطلت الأعالي فقد اسودّت وَهُوَ بِخَير أنّهما لم يسودّا لأنّهما لم يصل الدّخان إِلَيْهِمَا.
وَالدَّلِيل على ذَلِك أنّه وصف الأعالي بالكمته وَلم يصفها بالسّواد كَمَا وصف الجارتين فَلَا يشبه هَذَا قَوْلك الهندان حسنتا الْوَجْه مليحتا خدودهما لأنّ كلّ واحدٍ من هذَيْن الضميرين قدج ارْتَفع بِفِعْلِهِ وَكَذَلِكَ يجب أَن يرفع ضمير الأعالي بِفِعْلِهِ فَيكون على هَذَا الأعالي قد اصطلت بالنّار وَهَذَا خلاف مَا أَرَادَ الشَّاعِر لِأَنَّهُ ذكر أَنه لم يصطل مِنْهَا غير الجارتين وأنّ الأعالي لم يصل إِلَيْهَا الدُّخان. فَهَذَا خلاف مَا نظره النحويون وقاسوه. فَلَا بدّ من الذّهاب فِي معنى الْبَيْت إِلَى مَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ من أنّ الضَّمِير فِي مصطلاهما يعود على الجارتين. انْتهى.
وَقد ردّ مَا ذهب إِلَيْهِ المبّرد ابْن جنّي أَيْضا بِوَجْه غير هَذَا قَالَ فِي بَاب الْحمل على الْمَعْنى من)
الخصائص: اعْلَم أنّ الْعَرَب إِذا حملت على الْمَعْنى لم تكد تراجع اللَّفْظ كَقَوْلِك شكرت من أَحْسنُوا إليّ على فعله.