للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *﴾ [الأعراف].

كانت أجسامهم على قدر كبير من القوة والشدّة، والمهارة في العمران، والبناء، وأمدهم الله بأنعام وبنين وجنات وعيون، وبسط عليهم في المعاش، وسائر ضروب الحياة، وبدل الاستعانة بهذه النعم على طاعة الله ﷿ استعانوا بها على الكفر والتجبر، والعتو، والطغيان فأرسل الله إليهم هودًا يدعوهم إلى توحيد الله، ويذكرهم بتلك النعم التي أنعم الله بها عليهم؛ لتلين قلوبهم، ويشكروا منعمهم، ويخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له (١).

فكشف لهم حقيقة الأوثان التي سموها آلهة، كما قال تعالى: ﴿قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ [الأعراف: ٧١]، ومع ذلك أعرضوا وصدوا، وقالوا: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ *﴾ [الشعراء].

فكان من آيات نبي الله هود الخاصة أنه متفرد في دعوته، وهم أهل البطش والقوة، والجبروت، وقد خوفوه بآلهتهم إن لم ينته، أن تمسه بجنون، أو سوء، فتحداهم علنًا، وقال لهم جهارًا (٢): ﴿إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ *مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ *إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *﴾ [هود].

وقد تضمن هذا المقام حجة بالغة، ودلالة قاطعة على صدق ما جاءهم به، وبطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضر؛ بل هي جماد لا تسمع ولا تبصر، ولا توالي ولا تعادي (٣).

فأي آية أعظم من هذا التحدي، لهؤلاء المشركين الحريصين على إبطال


(١) يُنظر: أسباب هلاك الأمم السالفة (٢٨ وأيضًا ٣٧٥ - ٣٧٦).
(٢) يُنظر: تيسير الكريم الرحمن، لعبد الرحمن السعدي (٣٨٣ - ٣٨٤).
(٣) يُنظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (٤/ ٣٣٠).

<<  <   >  >>