للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما نبه المحدّث ابن النحاس إلى ذلك بقوله: قد تقوم كثرة رؤية المنكرات مقام ارتكابها في سلب القلب نور التمييز والإنكار؛ لأن المنكرات إذا كثر على القلب ورودها، وتكرر في العين شهودها، ذهبت عظمتها من القلوب شيئًا فشيئًا، إلى أن يراها الإنسان فلا يخطر بباله أنها منكرات، ولا يميز بفكره أنها معاصٍ؛ لما أحدث تكرارها من تأليف القلب لها (١).

٥ يحرم زيارة المشهد الذي فيه وثن من أوثان الجاهلية يعبد، أو عيد من أعيادها قطعًا، والدليل على ذلك: لما نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ أَنْ يَنْحَرَ إِبِلاً بِبُوَانَةَ، فَأَتَى النَّبِيَّ ، فَقَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلاً بِبُوَانَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ : «هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟» قَالُوا: لَا. قَالَ: «هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟» قَالُوا: لَا. قَالَ النَّبِيُّ : «أَوْفِ بِنَذْرِكَ، فَإِنَّهُ لا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا فِيمَا لا يَمْلِكُ ابن آدَمَ» (٢).

[تلخيص أحكام الزيارة]

من العرض السابق يتبين أن أحكام زيارة الرجال للقبور لا تخرج عن ثلاثة أحوال، وهي (٣):

١ زيارة القبور الشرعية؛ للاتعاظ والاعتبار، وللسلام على الموتى، والدعاء لهم؛ اتباعًا للسُّنَّة النبوية، وهي الزّيارة الشرعيّة للقبر فاعلها مثاب، إذا كانت زيارته خالصةً صوابًا (٤).

٢ زيارة القبور والمشاهد؛ للتقرب إلى الله بالموتى، واتخاذهم أسبابًا، والدعاء بهم؛ وهي الزّيارة البدعية، فاعلها فاسق مستحق للمقت والعقوبة من الله تعالى، ولكن لا يخرج عن دائرة الإسلام، وفعله ذريعة إلى الشرك (٥).


(١) يُنظر: تنبيه الغافلين، لابن النحاس (١٠٥).
(٢) سبق تخريجه راجع فضلاً (٩٠).
(٣) يُنظر: تجريد التوحيد المفيد، للمقريزي (٢٠).
(٤) قال الفضيل بن عياض : الخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السُّنَّة. يُنظر: إعلام الموقعين، لابن القيم (٣/ ٤٣٥).
(٥) يُنظر: أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة، لأحمد النجمي (٥٢ - ٥٥).

<<  <   >  >>