للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما عن زيارة القبور للفرجة، والاطلاع، والتنزه فأمر مُحدثٌ غير مطلوب شرعًا (١)، ودليل ذلك أن النبي لما أراد زيارة قبر أمه قال : «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ» (٢).

فالتذكر والاتعاظ بالموت هو المقصد الشرعي من زيارة المقابر، وأما قصد زيارة القبور؛ للفرجة والتنزّه، فهي زيارة تناقض وتعارض المقصد الشرعي لزيارة القبور وتنافيه.

[ب حكم زيارة المشاهد البدعية]

تقدّم تقرير استحباب زيارة الرجال للقبور، ولكن إذا انتفت الصفة الشرعية للقبور بالبناء عليها، وحصلت المنكرات التي يصل بعضها إلى الشرك بالله، تمنع الزيارة شرعًا ليس لتحريم أصل الزيارة؛ وإنما لأجل الحرمة العارضة لما يصحب القبر من مظاهر شركية وتصرفات بدعية، ويستثنى من ذلك من يزورها مُنكرًا؛ وتكون لديه القدرة الشرعية على تغيير المنكر أو إزالته.

ومن أوجه تحريم زيارة المشاهد البدعية، ما يلي:

١ أن البناء على القبور محرمٌ شرعًا باتفاق الأئمة كما سبق بيانه، وما كان محرمٌ في نفسه حرم النظر إليه كما قرر ذلك الفقهاء (٣).


(١) يُنظر: شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور، لمرعي الكرْمي (٢٥).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي ربه ﷿ فِي زيارة قبر أمه (٣/ ٦٥/ ح ٩٧٦).
(٣) الذين صرحوا بتحريم الفرجة على المُحرّم:
١ الحنفية: يُنظر: حاشية ابن عابدين (٦/ ٣٥٤).
٢ المالكية: يُنظر: مواهب الجليل، للحطاب الرُّعيني (٤/ ٤)، الشرح الكبير، للدردير (٢/ ٣٣٨).
٣ الشافعية: الفتاوى الحديثية، لابن حجر الهيتمي (٨٧)، إعانة الطالبين، للبكري (٣/ ٤١٢).
بينما نص الحنابلة على أنه إذا دعي مسلم لموضع فيه منكر، ولا يقدر على تغييره، فإنه يحرم عليه الحضور؛ وعللوا ذلك بتحريم مشاهدة المنكر. يُنظر: المبدع في شرح المقنع، لأبي إسحاق (٦/ ٢٣٨).
وقال ابن مفلح : يحرم النظر إلى الحرير، وأواني الذهب والفضة إن دعت إلى حب التزين بها والمفاخرة. الآداب الشرعية والمنح المرعية (٣/ ٥١٩).
وقال الحلبي : وكل ما حَرُمَ، حَرُمَ التفرّج عليه؛ لأنه إعانة على المعصية. حاشية الشرواني على تحفة المحتاج في شرح المنهاج (١٠/ ٢٢١).

<<  <   >  >>