للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ *﴾ [فصلت].

رُوي عن بعض المفسرين في وصف هلاك عاد قوم هود أن عذابهم كان من جنس فعلهم وقولهم وتجبرهم، فسلّط الله عليهم ريحًا هي أشد منهم قوة، فمن شدّتها وقوتها، وهولها تثير الهلع في القلوب، والفزع في النفوس، فكانت تدخل في أفواههم، فتخرج ما في أجوافهم من أدبارهم، ثم تحمل الواحد منهم على ضخامته وقوته إلى عنان السماء وتقذف به على رأسه ظاهر الأرض فتكسره، فيصير بدنه كأنه جذع نخلة، فلما نظر بعضهم إلى المعذبين منهم تطير بهم الريح بين السماء والأرض، هربوا وصاروا يختبؤون في البيوت والشعاب والحفر إلا أن الريح تنزعهم منها فتصرعهم (١).

كما قال تعالى عنهم: ﴿تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ *﴾ [القمر]، وقال في موضع آخر: ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ *سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ *﴾ [الحاقة] (٢)، واستمر هبوب الرياح عليهم سبع ليالٍ حتى صرعهم وجعلهم كأعجاز النخل الخاوية؛ فكان هذا جزاء كِبرهم وقوة بطشهم.

وزيادة في التنكيل بهم فإن الريح أتتهم من حيث كانوا ينتظرون المطر؛ لما أصابهم القحط (٣) فقال تعالى مخبرًا عنهم: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ *﴾ [الأحقاف].


(١) يُنظر: جامع البيان (١٢/ ٣٩٤)، والجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (١٨/ ٢٦١)، وأنوار التنزيل وأسرار التأويل، للبيضاوي (٥/ ١٦٦)، وتفسير القرآن العظيم، لابن كثير (٧/ ١٦٩) (٨/ ٢٠٩).
(٢) الصرصر: الشديدة الهبوب، مع شدّة بردها.
العاتية: تجاوزت الحد في شدة الهبوب والبرودة. يُنظر: جامع البيان (٢٣/ ٢٠٩).
(٣) يُنظر: المرجع السابق (١٢/ ٣٩٤)، أسباب هلاك الأمم السالفة (٦٦).

<<  <   >  >>