(٢) ندباً؛ ولا يجوز لهما دخول المسجد. (تتمة) في مسائل مستفادة من كتاب «دليل الناسك» للشيخ اللبدي، مع التعليق على بعضها، رأيت أن أضعها هنا لكي يستفاد منها؛ لأني لم أجدها في غير كتابه: المسألة الأولى: قال اللبدي: (ظاهر كلام كثيرين أن أمنَ الطريق، وبلا خفارة، والدليل للجاهل والأعمى شروطُ لزوم لا لوجوب الحج، فلا يصح عدها من الاستطاعة). قلت: كلها في المذهب شروط وجوب، فإن تخلف واحد منها فليس بمستطيع، ولا يجب عليه الحج. المسألة الثانية: وافق اللبديُّ الشيخَ منصورا في التسوية بين الحج عن المعضوب نفلاً وبين إهداء ثواب الحج له، وأن كليهما يصح بلا إذن المحجوج عنه. قلت: ظاهر كلام ا? قناع والمنتهى: التفريق، وأنه يجوز إهداء الثواب بلا إذن الْمُهْدَى له الحي، و? يصح الحج عنه نفلاً بلا إذنه، وهو صريح الغاية حيث قال: (? عن حي بلا إذنه، ويقع عن نفسه ولو نفلاً، فإن جعل ثوابه له حصل لما مر آخر الجنائز).
المسألة الثالثة: تعقب اللبديُّ - رحمه الله - قولَ ا? قناع والمنتهى: (وإن أيست منه استنابت)، وأن هذا يتمشى على القول بأن المحْرَم شرطٌ للزوم السعي? للوجوب، وأنه مخالف لما ذكراه من أنه شرط لوجوب الحج، فتناقض قولهم، ثم ذكر توجيه البهوتي: (والمراد أيست بعد وجود المحرم، وفرّطت بالتأخير حتى فُقد)، قال اللبدي: (ولكن المراد? يدفع الإيراد). قلت: صدق رحمه الله. المسألة الرابعة: هل إذا اشترط في إحرامه بالقول وحصل له عذر يحل بمجرد حصوله أم? يحل إلا إذا أراد ذلك ونواه؟ استظهر اللبدي أنه يحل بمجرد حصول العذر؛ لأن البهوتي قال: ولو قال: فلي أن أحل خُيِّر، قال اللبدي: (وظاهر هذا: أنه في الأُولى يحل بمجرد الحبس، فليتأمل). قلت: هذا الظاهر غير مراد، وأنه? يحل بمجرد العذر بل بالنية، ويخيَّر أيضاً بدليل: قوله في الإقناع هنا: (ويفيد هذا الاشتراط ... أن له التحلل). وفي الإنصاف: (جاز له التحلل ... وهو المذهب)، ومثله في الشرح الكبير، وكذا قال في المنتهى في آخر الفوات والإحصار: (ومن شَرَط في ابتداء إحرامه ... فله التحلل مجاناً) وهي عبارات تفيد جواز التحلل، لا تحقق وجوده مباشرة. المسألة الخامسة: قال اللبدي رحمه الله: (النيابة في النية تصح للضرورة في مواضع كثيرة: كعن الصغير في ا? حرام، وفي طوافه، وفي سعيه، ونحو ذلك مما تشترط له النية، وكالمجنونة التي تغسل من الحيض أو النفاس لحل وطء زوجها لها، ومثلها الممتنعة من غسلها لذلك ولو عاقلة، ولكن لم أر هذا البحث لأحد، فليتأمل، وليحرر). قلت: أما الممتنعة فصرح في ا? قناع وشرحه: أنه? نية معتبرة هنا؛ للعذر، كالممتنع من زكاة. المسألة السادسة: قال رحمه الله: (لو قيل بعدم صحة الطائف حبواً أو زحفاً أو منحنياً كراكع لغير عذر لكان له وجه). المسألة السابعة: قال رحمه الله: (فإن مد يده على جدار الحجر، أو على الكعبة في هواء الشاذروان وهو يمشي، أو أهوى برأسه لتقبيل الحجر، ثم مشى ورأسه في هواء الشاذروان صح طوافه؛ لأن معظمه خارج البيت، قاله في الإنصاف. ثم قال: قلت: ويحتمل عدم الصحة. انتهى). قلت: وما قرره اللبدي من الصحة صريح في الإقناع وغيره. المسألة الثامنة: قال رحمه الله: (وليحذر عند الازدحام من أن ينحرف بوجهه أو ظهره لجهة البيت، ثم يمشي ولو خطوة أو بعض خطوة، فإنه? يصح ذلك الشوط إلا أن يرجع إلى محل الانحراف، ثم يجعل البيت عن يساره ويمشي، وهذا يخل به كثير من الناس). قلت: لعله يريد بـ «بوجهه»: أن يجعل الكعبة أمامه ويمشي خطوة جهة اليمين، وقوله: «أو ظهره»: أن يجعل الكعبة خلفه ويمشي خطوة جهة اليسار، فيكون بذلك أخل بشرط جعل البيت عن يساره. والله أعلم. المسألة التاسعة: قال رحمه الله: (فينبغي للمرأة الحرة إذا كانت بالغة أن تحترز من كشف شيء من بدنها ولو من شعرها أو قدميها ونحو ذلك مما جرت العادة بكشفه من بعض النساء، فقد يتساهلن في ذلك، فيكون الطواف غير صحيح، فإن كان طواف الفرض فحجها لم يتم، وتبقى غير محللة للنكاح، وهذا فيه خطر عظيم). المسألة العاشرة: قال رحمه الله: (يشترط لصحة الطواف فرضاً أو نفلاً نيةٌ إلا من صغير دون التمييز، فإنه ينوي عنه وليه)، وقال مثله في السعي، أعني: في نية الولي عن غير المميز. المسألة الإحدى عشر: قال رحمه الله: (لم أر من ذكر المدة التي تفوت فيها الموالاة بين أشواط الطواف والسعي، ولعله يعتبر العرف). قلت: هو منصوص البهوتي في شرح المنتهى حيث قيد كلام المنتهى بالعرف، فالذي لا يقطع الموالاة بين أشواط الطواف والسعي على المذهب واحد مما يلي: ١ - الفاصل القليل عرفاً، ٢ - الصلاة المكتوبة، ٣ - صلاة الجنازة. المسألة الثانية عشر: قال: ظاهر كلامهم أنه? يشرع تقبيل الحجر الأسود إلا عند ابتداء الطواف دون بقيته، وإنما المشروع في كل شوط استلامه إن أمكن، وقوله: اللهم إيماناً بك ... إلخ، وإن لم يستلمه كبر فقط. ثم إني رأيت في ا? نصاف - نقلاً عن المستوعب وغيره - ما يفيد أن استلامه وتقبيله في كل شوط، فراجعه إن شئت. قلت: ما استظهره هو ظاهر ا? قناع والمنتهى، وصرح به الشيخ سليمان بن علي في منسكه، كما نقله عنه ابن جاسر في مفيد الأنام. المسألة الثالثة عشر: قال رحمه الله: (لكن لو طاف للقدوم ولم يسع حتى نزل من عرفة، فهل يصح سعيه قبل طواف الإفاضة؛ ? نه تقدمه طواف القدوم، أو? يصح، أو يُفرَّق بين كونه بعد دخول وقت طواف ا? فاضة وبين كونه قبله، فيصح في الثانية دون ا? ولى؟ لم أر من ذكر ذلك من علمائنا، ولا من أشار إليه لقلة اطلاعي وقصر باعي، فليحرر). قلت: ظاهر المذهب: الصحة، وذلك لعدم اشتراط الموا? ة بين طواف القدوم والسعي، بل ولا بين طواف العمرة أو الحج وسعيهما. وكونه إذا دخل وقت طواف ا? فاضة فلا يصح تقديم السعي على ا? فاضة هو الأحوط وأبرأ للذمة. والله أعلم. ثم رأيت في كلام ابن النجار في معونة أولي النهى (٤/ ٢٣١) التصريحَ بوجوب تقديم طواف الزيارة على السعي حيث قال: (فإن لم يكن سعى بعد طواف القدوم وجب عليه أن يسعى بعد طواف الزيارة). المسألة الرابعة عشر: حكاية ابن عبد البر الإجماع على أن وقت الوقوف من الزوال، قاله في ا? نصاف. قال اللبدي رحمه الله: (مع أن أكثر علماء المذهب على أنه من الفجر إلا أن يحمل قول ابن عبد البر إجماعاً على أن دخول وقت الوقوف? يتأخر عن الزوال إجماعاً، وقصده بذلك الرد على من شذ وقال? بد أن يمضي بعد الزوال مقدار مضي خطبتين، والجمع بين الظهرين، وفراغه منهما، ? أنه? يدخل وقت الوقوف قبل الزوال). المسألة الخامسة عشر: قال رحمه الله: (وليحترز عند الحلق من حلق الشعر النازل عن حد الرأس كالعنق والعارض قبل إكمال الرأس، فإنه? يجوز، وقَلَّ مَنْ يتنبه له من الحلاقين وغيرهم؛ نعم إذا كان الحلق بعد الرمي والطواف جاز؛ لأنه حصل التحلل بهما). المسألة السادسة عشر: استظهر اللبدي رحمه الله جوازَ البداءةِ بالحلق أو التقصير قبل الرمي والطواف كليهما). قلت: وهذا صحيح، لكن يكره للعالم دون الجاهل، كما في ا? قناع. ولا يعني ذلك جواز فعل المحظورات من لبس الثياب والتطيب حتى يضم مع الحلقِ الرميَ أو الطوافَ. المسألة السابعة عشر: قال رحمه الله: (وأما المحرم بعمرة، فظاهر كلامهم أنه ليس له إلا تحلل واحد، أي: بإتمامها بالحلق أو التقصير، وأنه قبل ذلك? يجوز فعل شيء من المحظورات ولو بعد السعي). قلت: لم أر أحداً نص على أن المعتمر له تحلل أول - وأنه يكون بتمام السعي، وقبله? يكون متحللاً - إلا الشيخ منصور في شرح المنتهى. وا? قرب ما ذكره اللبدي؛ ? نه لو قيل بالتحلل ا? ول لجاز له بعد السعي وقبل الحلق المحظورات غير النساء، ولم ينص أحد على ذلك، بل صرح اللبدي بمنع ذلك حتى يحلق أو يقصر. المسألة الثامنة عشر: ذكر اللبدي: (أنه لو وطئ في العمرة بعد السعي? يفسدها ولا دم عليه في ظاهر كلامهم، فليحرر). قلت: كون الدم - الذي هو فدية أذى - للوطء في العمرة يكون? فسادها قبل تمام السعي، وبعده? يفسدها و? دم عليه هو مفهوم كلام الغاية، قال: وعليه? فساد العمرة شاة. انتهى. ومثله في دليل الطالب، والمعونة لابن النجار، والشرح الكبير. لكن صرح البهوتي في شرح المنتهى: بأن الشاة واجبة للوطء في العمرة سواء وطئ قبل تمام السعي أو بعده وقبل الحلق، وكذا في التنقيح، ومفهوم ا? قناع، وظاهر المنتهى، ويؤيده كلامهم في الفدية بذكر وجوب الشاة بالوطء في العمرة بدون تفصيل. والله أعلم. المسألة التاسعة عشر: قال رحمه الله: (وانظر لو لم يرم الجمار كلها حتى جمرة العقبة يوم النحر وبعده إلى أن انقضت أيام التشريق، فهل يبقى غير متحلل التحلل الثاني بعد أن طاف وسعى وحلق؟ ) (تتمة) هل تضعيف الصلاة في مكة والمدينة خاص بالمسجد أم يشمل كل الحرم؟ في بداية أمري لم أر لهم كلاماً صريحاً في ذلك، ثم وقفت على كلام الإقناع في كتاب الحج، وهو قوله فيه مع شرحه: ((وحسنات الحرم) في المضاعفة (كصلاته) لما تقدم عن ابن عباس))، فهذا فيه تقرير بأن حسنات الحرم مضاعفة قياساً على الصلاة فيه، فيفهم منه أن الصلاة في الحرم مضاعفة، وليس التضعيف خاصاً بالمسجد فحسب. وفي الغاية مع شرحه في كتاب الحج: ((وبقية حسنات الحرم) المكي (كصلاة فيه، فكل عمل بر) من صدقة وذكر وكلمة طيبة، ونحو ذلك من القربات التي تقع (فيه)، أي: الحرم: (بمائة ألف) في غيره). ثم وقفت على كلام اللبدي في دليل الناسك، وهو: (وهل المضاعفة في نفس المسجد أو في جميع الحرم؟ خلاف، والأول أقوى دليلاً)، لكني قدمتُ عليه مفهومَ الإقناع. ثم وقفت على كلام الغاية، وهو قوله - وهو كلام الفروع - مع المطالب: ((وظاهر كلامهم) أيضاً: (أن المسجد الحرام نفس المسجد)، ومع ما يزيد فيه كما تقدم، (وقيل: الحرم كله مسجد)، فتحصل فيه المضاعفة المذكورة، وهو ضعيف)، وهو بعد قوله: (وبقية حسنات الحرم ... إلخ) الذي نقلته سابقاً، فاختلف مفهومُ كلامِهِ مع منطوقه! فترددت كثيراً؛ لكونه يؤيد ما قواه اللبدي، ثم وجدت كلاماً في الإقناع في كتاب الصلاة يؤيد ما استظهره صاحب الغاية وقواه اللبدي وهو: (ولا تسقط الفائتة بحج، ولا تضعيف صلاة في المساجد الثلاثة)، أي: من عليه فوائت كثيرة، فلا تسقط بصلاته في مسجد تضاعف فيه الصلاة كالمساجد الثلاثة. ويفهم منه: أن التضعيف خاص بالمسجد فقط، فاختلف المفهوم من قولي الإقناع، وكذا مفهوم الغاية مع منطوقه. ومما يدل أيضاً على أن التضعيف خاص بالمسجد قولهم في آخر كتاب الاعتكاف: وما زيد في المسجد فمنه حتى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، خلافاً لمن خصه بالمسجد الذي في زمنه صلى الله عليه وسلم استدلالاً بالإشارة في حديث: «صلاة في مسجدي هذا بألف ... ». قلت: فلو كان التضعيف عاماً لكل الحرم لما اختلف أصحابنا فيما زيد في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. والذي أميل إليه الآن أن التضعيف خاص بالمسجد؛ لكثرة مرجحاته، لكن مع شيء من التردد، والله أعلم. (بحث)