للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَضَبطُه (١)، وَكَونُ أجِيرٍ فِيهَا آدمياً جَائِزَ التَّصَرُّف (٢)، وَكَونُ عملٍ لَا يخْتَص فَاعلُه أن يكونَ من أهل القربَة (٣).


(١) [الشرط الثاني]: معرفة العمل وضبطه بأوصاف لا يقع الخلاف فيها، فلو استأجره لبناء حائط اشترط ذكر صفته بذكر طوله وعرضه ونحو ذلك.
(٢) [الشرط الثالث]: كون الأجير آدمياً جائز التصرف - أي: حراً مكلفاً رشيداً -، فلا يصح كونه سيارة أو دابة. والأجير هنا يسمى أجيراً مشتركاً، وهو من يُقدَّر نفعه بالعمل كالخياطين، ومن يعمل في المغاسل، فيتقبلون أعمالاً من جميع الناس في وقت واحد. أما الأجير الخاص فيُقدَّر نفعه بالزمن كمن يستأجر شخصاً يخيط عنده من الفجر إلى العصر مثلاً، فلا يعمل لغيره في تلك المدة.
(٣) [الشرط الرابع] كون العمل المعقود عليه لا يشترط لصحته أن يكون فاعله من أهل القُربة - أي: من المسلمين -، فلا تصح الإجارة على الأذان، والإقامة، والإمامة، والقضاء، ويحرم أخذ الأجرة عليها. أما العمل الذي يصح من المسلم والكافر فتجوز الإجارة عليه كتنظيف المسجد مع كون إدخال الكافر المسجد حراماً على المذهب، ويصح الأخذ بلا شرط.

(تتمة) ما لا يصح عقد الإجارة عليه يصح عقد الجعالة عليه بشرط كون النفع فيها متعدياً: لا يصح عقد إجارة على تعليم القرآن، والإمامة، والقضاء، وتعليم العلوم الدينية كالفقه والحديث، والنيابة في الحج، لكن يجوز أخذ الرزق من ولي الأمر عليها، وكذلك يصح عقد الجعالة عليها. لكن يشترط تعدي نفع هذه الأعمال إلى الغير، فلو قال شخص لآخر: إن صليت خمسة فروض في المسجد، أو حججت عن نفسك فلك كذا، فلا يصح ذلك إجارة، ولا جعالة، ولا من باب الرزق من بيت المال، لكن يصح بذل مال إن كان من باب الوعد بالهدية، كما لو قال أب لأولاده: من صلى في المسجد، أو من حفظ جزءًا من القرآن الكريم فله كذا، جاز بذله وأخذه. ومثله: ما تفعله الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بإعطائها الحافظَ للقرآن الكريم، أو بعضَه مبلغاً من المال، وكذا في حفظ الحديث النبوي والفقه وغير ذلك، فهذا كله يدخل في باب الهدايا المباحة بل المستحبة؛ لما فيها من الإعانة على حفظ الدين والصلاح للناس، قال شيخ الإسلام - كما في مجموع الفتاوى-: (فينبغي تيسير طريق الخير والطاعة والإعانة عليه والترغيب فيه بكل ممكن؛ مثل أن يبذل لولده وأهله أو رعيته ما يرغبهم في العمل الصالح: من مال أو ثناء أو غيره).
وقال في الإقناع في باب الهبة والعطية: (فإن قصد بإعطائه ثواب الآخرة فقط فصدقة، وإن قصد إكراماً وتودداً ومكافأة - البهوتي: والواو بمعنى أو كما في المنتهى - فهدية). فقوله: (ومكافأة): فيه جواز الهدية مكافأة على أي عمل يقوم به المكافأ. فليحرر. والله أعلم.
قال في الإقناع وشرحه: ((ويصح أخذ جعالة على ذلك كـ) ـما يجوز (أخذه) عليه (بلا شرط، وكذا) حكم (رُقية) .. (وله أخذ رزق على ما يتعدى نفعه) كالقضاء، والفتيا، والأذان، والإمامة، وتعليم القرآن، والفقه، والحديث، ونحوها (كـ) ـما يجوز أخذ (الوقف على من يقوم بهذه المصالح) المتعدي نفعها؛ لأنه ليس بعوض، بل القصد به الإعانة على الطاعة، ولا يخرجه ذلك عن كونه قربة، ولا يقدح في الإخلاص؛ لأنه لو قدح ما استحقت الغنائم (بخلاف الأجر) فيمتنع أخذه على ذلك لما تقدم. (وليس له أخذ رزق، و) لا (جعل، و) لا (أجر على ما لا يتعدى) نفعه (كصوم وصلاة خلفه) بأن أعطى لمن يصلي مأموماً معه جعلاً أو أجرة أو رزقاً، (وصلاته لنفسه، وحجه عن نفسه، وأداء زكاة نفسه، ونحوه) كاعتكافه، وطوافه عن نفسه؛ لأن الأجر عوض الانتفاع، ولم يحصل لغيره ههنا انتفاع، فأشبه إجارة الأعيان التي لا نفع فيها).
والفرق بين الرزق والجعالة: أن الرزق يكون من بيت المال، أو من الوقف، كما في شرح المنتهى (٤/ ٤٣)، قال في المطلع: (رَزَقَ الإمام من بيت المال: أي: أعطى من غير إجارة، قال الجوهري: وابن فارس: الرزق: العطاء). أيضاً، الرزق ليس بعوض، بل هو للإعانة على الطاعة، بخلاف الجعالة فهي من مال شخص معين أو أشخاص، وهي معاوضة. ويتفقان: في كون الرزق والجعل إنما رُتِّب مقابل عمل، ومثلهما الأجرة في عقد الإجارة، وهي معاوضة أيضاً.
والحاصل: أن الإجارة والجعالة والرزق يتفقون في كون الأجرة والجعل والرزق مرتباً كلُّ واحد منهم على عمل قبل أن يعمله العامل، ولا يستحقه العامل إلا بعد العمل، بخلاف الهدية، فإنها هبة يصح الوعد - وهو غير ملزم - بها قبل العمل، ويصح ويجوز أن تُبذل بعد العمل، وبلا عمل البتة. والله أعلم. (بحث)

<<  <   >  >>