قلت والفرق بين الأمرين أن الرجيع نجس وإذا لاقى نجاسة لم يزلها بل يزيدها نجاسة وليس كالحجر الطاهر الذي يتناول الأذى فيزيله عن موضعه ويقطعه عن أصله، وأما اليمين فليست هي المباشرة لموضع الحدث وإنما هي آلة يتناول بها الحجر الملاقي للنجاسة، والشمال في هذا المعنى كاليمين إذ كل واحدة منهما تعمل مثل عمل الأخرى في الإمساك بالحجر واستعماله فيما هنالك، والرجيع النجس لا يعمل عمل الحجر الطاهر ولا ينظف تنظيفه، فصار نهيه عن الاستنجاء باليمين نهي تأديب وعن الرجيع نهي تحريم، والمعاني هي المصرفة للأسماء والمرتبة لها.
وحاصل المعنى أن المزيل للنجاسة الرجيع لا اليد، وفي قوله وأن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار بيان أن الاستنجاء بالأحجار أحد الطهرين وأنه إذا لم يستعمل الماء لم يكن بد من الحجارة أو ما يقوم مقامها وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل، وفي قوله أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار البيان الواضح أن الاقتصار على أقل من ثلاثة أحجار لا يجوز وإن وقع الإنقاء بما دونها. ولو كان القصد به الإنقاء حسب لم يكن لاشتراط عدد الثلاث معنى ولا في ترك الاقتصار على ما دونها فائدة إذ كان معلوماً أن الإنقاء قد يقع بالمسحة الواحدة وبالمسحتين فلمّا اشترط العدد لفظاً وكان الإنقاء من معقول الخبر ضمناً دل على أنه إيجاب للأمرين معاً، وليس هذا كالماء إذا أنقى كفى لأن الماء يزيل العين والأثر فحل محل الحس والعيان ولم يحتج فيه إلى استظهار بالعدد، والحجر لا يزيل الأثر وإنمّا يفيد الطهارة من طريق الاجتهاد،