فصار العدد من شرطه استظهاراً كالعدة بالأقراء لما كانت دلالتها من جهة الظهور والغلبة على سبيل الاجتهاد شرط فيها العدد وإن كانت براءة الرحم قد تكون بالقرء الواحد. ألا ترى أن الأمة تستبرأ بحيضة واحدة فتكفي. فأمّا وضع الحمل الذي دلالته من باب اليقين والإحاطة فإنه لم يحتج فيه إلى شيء من العدد، فكذلك الماء والحجارة في معانيها.
وعند أصحاب الرأي أن الإنقاء إذا وقع بالحجر الواحد كفى غير أن مرجع جملة قولهم في ذلك إلى أنه استحباب لا إيجاب، وعلى هذا تأولوا الحديث، وذلك أنهم يقولون إن كانت النجاسة هناك أكثر من قدر الدرهم فإنه لا يطهره إلاّ الماء وإن كان بقدر الدرهم فلم يزله بالحجارة أو بما يقوم مقامها وصلى أجزأه. فجاء من هذا أنه إذا أمر بالاستنجاء فإن ذلك منه على سبيل الاستحباب دون الإيجاب.
قلت ولا ينكر على مذهبهم أن يكون المراد بالاستنجاء الإنقاء ويدخله مع ذلك التعبد بزيادة العدد، وقد قالوا في غسل النجاسات بإيجاب الثلاث، فإن لم تزل فإن الزيادة عليها واجبة حتى يقع الإنقاء، وقد أجاز الشافعي ثلاث امتساحات بحروف الحجر الواحد وأقامها مقام ثلاثة أحجار. ومذهبه في تأويل الخبر أن معنى الحجر أوفى من اسمه وكل كلام كان معناه أوسع من اسمه فالحكم للمعنى وكأنه قال: الحجر وحروفه وجوانبه والاستنجاء غير واقع بكل الحجر لكن ببعضه، فأبعاض الحجر الواحد كأبعاض الأحجار.
وأما نهيه عن الاستنجاء بالعظم فقد دخل فيه كل عظم من ميتة أو ذكيّ لأن الكلام على إطلاقه وعمومه، وقد قيل إن المعنى في ذلك أن العظم زلج لا يكاد يتماسك فيقلع النجاسة وينشف البلة، وقيل إن العظم لا يكاد يعرى