الدين فلو ترك عليها وخلى وسومها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها، لأن هذا الدين موجود حسنه في العقل يسره في النفوس وإنما يعدل عنه من يعدل إلى غيره ويؤثر عليه لآفة من آفات النشوء والتقليد، فلو سلم المولود من تلك الآفات لم يعتقد غيره ولم يختر عليه ما سواه، ثم يمثل بأولاد اليهود والنصارى في اتباعهم لابائهم والميل إلى أديانهم فيزولون بذلك عن الفطرة السليمة وعن المحجة المستقيمة.
وفيه أقاويل أخر قد ذكرتها في مسألة أفردتها في تفسير الفطرة وفيما أوردته ههنا كفاية على ما شرطناه من الاختصار في هذا الكتاب.
وأصل الفطرة في اللغة ابتداء الخلق، ومنه قول الله سبحانه {الحمد لله فاطر السموات والأرض}[فاطر: ١] أي مبتديها، ومن هذا قولهم فطر ناب البعير إذا طلع.
ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لم أعلم ما فاطر السموات حتى اختصم إليَّ اعرابيان في بئر، فقال أحدهما أنا فاطرها أي حافرها ومقترحها.
وقوله من بهيمة جمعاء فإن الجمعاء هي السليمة سميت بذلك لاجتماع السلامة لها في أعضائها يقول إن البهيمة أول ما تولد تكون سليمة من الجدع والخرم ونحو ذلك من العيوب حتى يحدث فيها أربابها هذه النقائص كذلك الطفل يولد مفطوراً على خلقه ولو ترك عليها لسلم من الآفات، إلاّ أن والديه يزينان له الكفر ويحملانه عليه.
قلت وليس في هذا ما يوجب حكم الإيمان له إنما هو ثناء على هذا الدين واخبار عن محله من العقول وحسن موقعه من النفوس والله أعلم.