منها الفتق العظيم فيتوسط الرجل فيما بينهم ويسعى في إصلاح ذات البين ويتضمن مالاً لأصحاب الطوايل يترضاهم بذلك حتى تسكن الثائرة وتعود بينهم الألفة فهذا الرجل صنع معروفاً وابتغى بما أتاه صلاحا فليس من المعروف أن تورّك الغرامة عليه في ماله ولكن يعان على أداء ما تحمله منه ويعطي من الصدقة قدر ما يبرأ به ذمته ويخرج من عهدة ما تضمنه منه.
وأما النوع الأول من نوعي أهل الحاجة فهو رجل أصابته جائحة في ماله فأهلكته والجائحة في غالب العرف هي ما ظهر أمره من الآفات كالسيل يغرق متاعه والنار تحرقه والبرد يفسد زرعه وثماره في نحو ذلك من الأمور وهذه أشياء لا تخفى آثارها عند كونها ووقوعها فإذا أصاب الرجل شىء منها فذهب ماله وافتقر حلت له المسألة ووجب على الناس أن يعطوه الصدقة من غير بينه يطالبونه بها على ثبوت فقره واستحقاقه إياها.
وأما النوع الآخر فإنما هو فيمن كان له ملك ثابث وعرف له يسار ظاهر فادعى تلف ماله من لص طرقه أو خيانة ممن أودعه أو نحو ذلك من الأمور التي لا يبين لها أثر ظاهر المشاهدة والعيان فإذا كان ذلك ووقعت في أمره الريبة في النفوس لم يعط شيئا من الصدقة إلاّ بعد استبراء حاله والكشف عنه بالمسألة عن أهل الاختصاص به والمعرفة بشأنه، وذلك معنى قوله حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه قد أصابت فلانا الفاقة واشتراطه الحجى تأكيد لهذا المعنى أي لا يكونوا
من أهل الغباوة والغفلة ممن يخفى عليهم بواطن الأمور ومعانيها وليس هذا من باب الشهادة ولكن من باب التبيين والتعرف وذلك أنه لا مدخل لعدد الثلاثة في شيء من الشهادات، فإذا قال نفر من قومه أو