وذكورنا تقطر فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت.
قلت إنما أراد بهذا القول والله أعلم استطابة نفوسهم وذلك أنه كان يشق عليهم أن يحلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم محرم ولم يعجبهم أن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ويتركوا الإيتساء به والكون معه على كل حال من أحواله فقال عند ذلك هذا القول لئلا يجدوا في أنفسهم من ذلك وليعلموا أن الأفضل لهم ما دعاهم إليه وأمرهم به وأنه لولا أن سنة من ساق الهدي أن لا يحل حتى يبلغ الهدي محله لكان أسوتهم في الإحلال يطيب بذلك نفوسهم ويحمد به صنيعهم وفعلهم، وقد يستدل بهذا من هى أن التمتع بالعمرة إلى الحج أفضل.
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة أن محمد بن جعفر حدثهم عن شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال هذه عمرة استمتعنا بها فمن لم يكن عنده هدي فليحل الحل كله وقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة.
قلت قول هذه عمرة استمتعنا بها يحتج به من يذهب إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعا وتأول من ذهب إلى خلافه على أنه أراد به من تمتع من أصحابه وقد كان فيهم المتمتع والقارن والمفرد وهذا كما يقول الرجل الرئيس في قومه فعلنا كذا وصنعنا كذا وهو لم يباشر بنفسه فعل شيء من ذلك وإنما هوحكاية عن فعل أصحابه يضيفها إلى نفسه على معنى أن أفعالهم صادرة عن رأيه ومنصرفة إلى إذنه.
وقوله دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة مختلف في تأويله يتنازعه الفريقان موجبوها ونافوها فرضاً فممن قال إنها واجبة كوجوب الحج عمر وابن عمر وابن