للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعبادة في قوله: "أن تعبد الله كأنَّك تراه" عبادة طلب كأنَّك تراه، ومعلوم أن الله -سبحانه وتعالى- تشتاق إليه النفوس، فإذا كان يعبد الله كأنه يراه فسوف يلح في العبادة ليصل إلى محبوبه وهو الله -عَزَّ وَجَلَّ-، "فإن لم تكن تراه" يعني إن لم تصل إلى هذه الدرجة وهي عبادة الرغبة والطلب، "فإنَّه يراك" فاعبده عبادة هرب وخوف منه، وهذا ليس كالأول؛ لأنَّ هذا يعبد الله خوفًا منه، والأول يعبده طمعًا، فالمرتبة الأولى أكمل من المرتبة الثَّانية، ولهذا جعلها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الدرجة الثَّانية، إن لم تكن تراه وتعبده كأنَّك تراه فإنَّه يراك. فإياك أن تخالفه أو تقع في معصيته. أما الإحسان إلى عباد الله فهو بذل المعروف إليهم بالمال والبدن والجاه، وبعضهم قال: هو بذل الندى، وكف الأذى، وطلاقة الوجه.

بذل الندى: يعني العطاء، وكف الأذى: ألا تؤذي أحدًا لا بقولك ولا فعلك، وطلاقة الوجه: ألا تقابل الناس بوجه عابس مكفهر، لأنَّ الإنسان مهما كان إذا لقي الناس بوجه عابس مكفهر فليس محسنًا إليهم، بل إن الله -سبحانه وتعالى- عاتب النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وهو أفضل الخلق حين حصل له ما حصل مع عبد الله بن أم مكتوم، -رَضِيَ اللهَ عَنْهُ- مع أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حصل له ما حصل اجتهادًا منه، فقال الله تعالى في ذلك {عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (٤) أَمَّا مَنِ


= والإحسان وعلم الساعة (رقم ٥٠) ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه (رقم ٩) (٥).

<<  <   >  >>