للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الطعام دليل على نقص وأنه لا يصح أن يكون إلهًا. لكن هم من سخافتهم يجعلون هذا الطعام عندها كأنها تحتاجه وتأكله وتتصرف فيه. {مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ} الاستفهام هنا للتحقير، أي أنه يحقرها لكونها لا تنطق، وخاطب هذه الأصنام مخاطبة العقلاء في قوله: {مَا لَكُمْ} ولم يقل: مالكن. تنزلًا مع أصحابها الذين يجعلونها من ذوات العلم وذوات القبول والدفع عنهم. {مَا لَكُمْ لَا تَنطَقُونَ} يعني أي شيء يمنعكم من النطق إن كنتم آلهة؟

فإذا قال قائل: هذا الخطاب لهذه الأصنام هل كان في غيبة عابديها؟ إن قلت: نعم، فما فائدة هذا الخطاب؟ وإن قلت: لا، فكيف الجواب عن قوله: {فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠)

والجواب: أن نقول: إن عابديها لم ينصرفوا كلهم عنها، بل كان عندها من الحراس ما يقتضي أن يتكلم إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- على هذه الأصنام بمثل هذا الكلام، وإلا لو لم يكن عندها أحد لكان كلامه هذا لغوًا لا فائدة منه، لكن عندها من الحراس من يستطيع أن يعلم عنها ما علمه إبراهيم، بسبب أنه عرض عليهم الأكل، وإن هذه لم تنطق، وإذا كانت لم تنطق وليس لها إرادة ولا شعور لم تكن صالحة للعبادة. {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (٩٣)} في أول الآيات يقول: {فَرَاغَ إِلَئَالِهَتِهِمْ} أي: مال بخفية و (إلى) للغاية أما هنا فقال {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا} وإنما قال: "عليهم" دون "إليهم" لوقوع ذلك الضرب على هذه الأصنام ليكسرها -عليه الصلاة والسلام-، {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ} أي: على هذه الآلهة، وكما أشرت أولًا أنه خاطبها مخاطبة العاقل فأتى بميم

<<  <   >  >>