للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتأكيد يعني تحقق هذا الشيء، ولكنه لما كان أمرًا مستقبلًا والإنسان لا يثق أن يقوم بالأمر المستقبل، قال: {إِن شَاءَ اللَّهُ}. وأتى بالاستثناء قبل ذكر المفعول الثاني للمبادرة به {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} ولم يقل: ستجدني من الصابرين إن شاء الله فبدأ بالاستثناء الدال على الاستدراك يعني إن لم يشأ الله لم تجدني كذلك، ولكن {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} وقوله: {إِن شَاءَ اللَّهُ} جملة معترضة بين مفعولي تجد، لأن المفعول الأول الياء، والثاني من الصابرين. أي من الصابرين على بلاء الله، وعلى هذا الأمر العظيم، لأن هذا من البلاء العظيم أن يصبر الإنسان على أن يقتل امتثالًا لأمر الله سبحانه وتعالى، وهنا لم يقل ستجدني إن شاء الله صابرًا، بل قال: {مِنَ الصَّابِرِينَ} إشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام سيكون له تأسٍ بمن سبق حتى يكون من جملة المتصفين بهذا الوصف وهو الصبر، قال الله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} يعني استسلما لأمر الله وانقادا لأمره، عن رضا ورغبة من الأب الذي عزم على أن ينفذ أمر الله -عزَّ وجلَّ-، والابن الذي تقبل هذا الأمر بانشراح صدر، وحث لأبيه على أن يفعل ما أمره الله به تعالى، وهذا غاية ما يكون من الاستسلام، وهذا استسلام القلب {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} هذا استسلام الجوارح يعني أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام تل ابنه للجبين، يعني صرعه على الأرض على جبينه ليذبحه، وإنما صرعه على جبينه من أجل أن لا يرى وجهه حين يذبحه، ولئلا يرى الابن السكين فيفزع، ومعلوم أن رؤية المذبوح السكين

<<  <   >  >>