للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الابن وتهيئته لتنفيذ ما أمر الله به أباه، قال المؤلف: [من الرأي، شاوره ليأنس بالذبح وينقاد للأمر به]. أي لو أنه حين قام من النوم جَرَّ ابنه وذبحه بدون أن يخبره لفات في ذلك فائدتان عظيمتان:

الفائدة الأولى: عدم ظهور تقبل هذا الابن لأمر الله عزَّ وجلَّ.

الفائدة الثانية: أنه إذا أتاه بغتة صار أشد وقعًا في نفسه وأشد ألمًا مما لو أخبر به؛ لأن الإنسان إذا أخبر بالشيء قبل أن يقع واستعدت نفسه له وتهيأت، صار الوارد العظيم يرد على النفس وهي متهيأة فيسهل عليها، بخلاف ما إذا ورد على غرة فإنه يكون أشد وقعًا، وأشد ألمًا، ولهذا قال المؤلف -رحمه الله-: [ليأنس بالذبح وينقاد للأمر به]. قال: {يَاأَبَتِ} التاء عوضًا عن ياء الإضافة، وأصلها يا أبي، ولكن العرب قد يبدلون الياء تاءً فيقولون: يا أبتي، وعلى هذا فالتاء بدلًا عن الياء فهي ياء المتكلم. {افْعَل مَا تُؤْمَرُ} سبحان الله! لم يقل: يا أبت لا مانع عندي، بل قال: "افعل" فحثه على أن يفعل ولم يقل: افعل ما رأيت، بل قال: {تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} حثًّا لإبراهيم على أن يفعل؛ لأنه إذا ذكره أن هذا أمر الله فإنه يزيده قوة في تنفيذ هذا الأمر، لأن إسماعيل -عليه الصلاة والسلام- خاف أن تدرك إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- رحمة الولد فيراجع الله عزَّ وجلَّ في ذلك، فأشار عليه أن يبادر بفعل ما أُمر به (افعل)، ولم يقل: ما رأيت، ليكون هذا أشد حثًّا لإبراهيم على الإقدام، ولهذا {سَتَجِدُنِي}، السين كما قلنا فيما سبق قريبًا للتنفيس، وتفيد شيئين: التوكيد، وقرب الوقوع.

<<  <   >  >>