للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تورية قولية، لأنَّ ظاهر اللفظ (إنِّي سقيم) يعني الآن، ولا أستطيع الخروج معكم، ولكنه يريد سأسقم، لأنَّ اسم الفاعل صالح للزمان الحاضر والزمان المستقبل، فيصح أن تقول: إنِّي حاضر الآن، وإني حاضر غدًا، فلما كان صالحًا للأمرين، ونظر نظرة في النجوم وقال: إنِّي سقيم، تولوا عنه وتركوه وهو يريد -عليه الصَّلاة والسلام- بفعله هذا أمرًا سيتبين فيما بعد {فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠)} {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ} أي: مال في خفية إلى آلهتهم وهي الأصنام التي يعبدونها قال المؤلف: [وعندها الطَّعام]. فأخذ المؤلف من قوله: {أَلَا تَأْكُلُونَ (٩١)} أن الطَّعام عندها، لأنَّ عرض الأكل عليهم يدل على أن الأكل كان موجودًا. {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ} أي: مال بخفية وانطلق بخفية، والروغان كما هو معروف هو: سرعة الإنسان لكن على وجه لا أحد يَحْس به، فقال: {أَلَا تَأْكُلُونَ (٩١)}؟ و"ألا" هنا للعرض، وهذا القول ليس على سبيل الإلزام، ولا يمكن أن يلزمها بأن تأكل لأنَّه يعلم أنَّها لن تأكل، ولكنه قاله على سبيل الاستهزاء والسخرية، وإلزام هؤلاء العابدين بأن هذه الأصنام لا تستحق العبادة، لا لأنها مستغنية عن الطَّعام ولكن لأنها لا تعقل ولا تعلم، والذي لا يعقل ولا يعلم لا يمكن أن يكون معبودًا، ثم إن صح وضع الطَّعام عندها من قبلهم فإن هذا دليل على أنَّها ليست صالحة للألوهية؛ لأنَّ الإله مستغن عن غيره، ولهذا أقام الله تعالى الدليل على أن عيسى ابن مريم وأمه ليس بإلهين بكونهما يأكلان الطَّعام، وأنَّه -سبحانه وتعالى- وحده الإله الحق بكونه يُطْعِم ولا يُطْعَم، فاحتياج ما يعبد إلى

<<  <   >  >>