للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قال الله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١)} أي: تقدمت في الأزل، وكلمة الله بينها هنا بقوله: {إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢)}، هذه هي الكلمة السابقة التي قضى بها الله -عز وجل- في الأزل.

وقوله: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا} الجملة هنا فيها عدة مؤكدات وهي: اللام، وقد، والقسم المقدر. والتقدير: وتالله لقد سبقت، أو ووالله لقد سبقت، وكل جملة تأتي على هذا الوجه، ففيها هذه المؤكدات: القسم، واللام، وقد.

وقوله: {كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١)} المراد بالعباد هنا: العبودية الخاصة، بل أخص الخاصة وهي عبودية الرسالة.

وعبودية الخلق لله -عز وجل- عبودية كونية، وهذه عامة شاملة لجميع الخلق فما من مخلوق إلا وهو ذال لله قدرًا، وعبودية شرعية، وهي خاصة بمن يطيع الله، وأخص هذا النوع عبودية الرسالة؛ لأن الرسل مكلفون بما لم يكلف به غيرهم، فهم مكلفون بتحمل الرسالة وإبلاغها إلى الخلق ودعوة الناس إليها، ولهذا لا يرسل الله رسولًا إلا وهو يعلم أنه أهل للرسالة، كما قال تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: ١٢٤] وقال الله لنبيه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الإنسان: ٢٣، ٢٤] فلما ذكر أنه نزل عليه القرآن لم يقل: فاشكر الله على هذه النعمة، بل قال: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الإنسان: ٢٤] إشارة إلى أن تنزيل القرآن عليه أمر يحتاج إلى صبر؛ لأنه يحتاج إلى معاناة ومجابهة الناس، ومن تأمل ما حصل للرسول - صلى الله عليه وسلم - من منباذة قومه

<<  <   >  >>