للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأنه {فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١)} (من) هنا للتبعيض أي: بعضًا منهم، وهذا يدل على أن القرعة أصابته وأصابت غيره أيضًا، فالمسألة الآن واضحة فالفلك كان مملوءًا، ولابد أن يغرق إلا أن يلقى بعض ركابه، وإلقاء بعض الركاب أولى من هلاك الجميع. ولا سبيل إلى إلقاء البعض على التعيين؛ لأننا لو عينا أحدًا دون أحد كان في ذلك ظلم، وامتنع من عيناه، وصار في هذا خصومة، وربما غرقت السفينة في أثناء هذه الخصومة، إذًا فالطريق إلى تعيين من يلقى هو القرعة، فاقترعوا فأصابت القرعة قومًا ونجا منها قوم، وكان يونس -عليه الصلاة والسلام- من جملة الذين أصابتهم القرعة، فكان من المدحضين فألقي في البحر، قال الله تعالى: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ} ابتلعه {وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢)} قال المؤلف -رحمه الله-: [أي آت بما يلام عليه من ذهابه إلى البحر وركوبه السفينة بلا إذن من ربه].

التقمه الحوت التقامًا ولم يمضغه؛ لأنه لو مضغه لتكسر وهلك، لكن الله تعالى سخر له هذا الحوت فالتقمه التقامًا وابتلعه حتى وصل إلى مقر بطنه دون أن يصيبه أذى.

وقوله: {وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢)} الجملة هنا في موضع نصب على الحال من الهاء في قوله: {فَالْتَقَمَهُ} لا من الفاعل في التقمه، لأن الفاعل الحوت، والحوت ليس بمليم، بل المليم الملتقَم {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢)} أي: يونس ومعنى (مليم): آت بما يلام عليه، كما يقال: (منجد) لمن دخل نجدًا مثلًا، فمفعل قد تأتي بمعنى التلبس بالشيء، فالمليم هو الذي فعل ما يلام عليه،

<<  <   >  >>