للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

به منذ خلق. وبصرًا كذلك يبصرون به ويعرفون، ولهذا تجد الصبي أول ما يولد لا يلتفت إلى شيء، تمر من عنده بالمصباح من أسطع ما يكون ولا يدري ما هو؟ ثم شيئًا فشيئًا يبدأ يعرف الألوان إذا اختلفت عليه ويتابع النظر، ولكن الذين يبعثون من القبور لا ينتظر بهم هكذا، أي لا تنمو أسماعهم وأبصارهم وأفئدتهم شيئًا فشيئًا، ولكن بمجرد ما يخرجون فإذا هم ينظرون.

قال المؤلف: [فإذا هم أي الخلائق أحياء ينظرون ما يفعل بهم] فإذا قال قائل: إن المؤلف قال [الخلائق] مع أن سياق الآية يقتضي أن المراد هؤلاء المنكرون {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧)} فإذا أخذنا بالسياق قلنا: إن الضمير يرجع إلى هؤلاء وآبائهم، وإذا نظرنا إلى الواقع قلنا: إن الضمير يرجع إلى جميع الخلائق. والواقع أن جميع الخلائق تخرج بهذه الصيحة فإذا هم ينظرون، وأفادنا المؤلف بقوله ما يفعل بهم، أفادنا أن النظر هنا نظر العين، وليس بمعنى الانتظار، مع أن الآية تحتمل أن يكون المعنى النظر بالعين وأن يكون المعنى الانتظار.

والنظر يأتي بمعنى الانتظار، كما في قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} [الزخرف: ٦٦] {يَنْظُرُونَ (١٩)} بمعنى ينتظرون.

{وَقَالُوا يَاوَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠)} قالوا أتى بالفعل الماضي مع أن القول مستقبل، لتحقق وقوعه، وهذا كثير في اللغة العربية، والقرآن الكريم يعبر عن المستقبل بالماضي لتحقق وقوعه، ومثاله قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: ١] فإن أمر الله لم يأت بدليل

<<  <   >  >>