للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{فَبَشَّرْنَاهُ} البشارة هي الإخبار بما يسر، هذا هو الأصل إذا أخبر الإنسان بما يسر قيل: بُشر، وإذا أخبر بما يخوف قيل له: أُنذر، ولهذا يذكر الله عزَّ وجلَّ دائمًا التقابل بين البشارة والإنذار {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالحَقِّ بَشِيَرًا وَنَذِيرًا} [البقرة: ١١٩] {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [النساء: ١٦٥] فالبشارة في الأصل هي الإخبار بما يسر، وقد تطلق على الإخبار بما يسوء كقوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٤)} [الانشقاق: ٢٤] إما من باب التهكم بهم كما تقول مثلًا للشخص: أبشر بالعقوبة. تتهكم به، وإما من باب الجامع بينهما، وهو أن كلًّا منهما يؤثر على البشرة تأثيرًا يظهر، فالبشارة تؤثر سرورًا وفرحًا واستنارة وجه وراحة قلب، والإنذار بالعكس يظلم الوجه ويصفر، ويحصل فيه الغم.

{فَبَشَّرْنَاهُ} أي بشرنا إبراهيم {بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} قال المؤلف -رحمه الله تعالى-[أي ذي حلم كثير]. وأشار بذلك إلى أن {حليم} صيغة مبالغة ولكن يحتمل أن تكون صفة مشبهة، أي بغلام صفته الدائمة المستمرة الحلم.

والحلم: هو التأني وعدم التسرع في مقابلة الأمور، بل يتلقاها الإنسان بطمأنينة واتزان وتصرف رشيد.

وضد الحليم سريع الغضب سريع الانفعال الذي لا يتأنى في الأمور ولا يتروى فيها فتجده يرد الشيء مبادرة. أو يقبله مبادرة، فالحلم في الحقيقة هو غاية ما يكون من الرشد. ووصف الله هذا الغلام هنا بالحلم، وفي آيتين من كتاب الله وصف الغلام الذي لإبراهيم بالعلم، وذلك لأن الغلامين اثنان: أحدهما وصف

<<  <   >  >>