للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسليمان لن يفعل أبدًا، لكن هذا من باب التورية واستطلاع الحقيقة، فلما دعا بالسكين وأراهما أنه يريد أن يشقه نصفين، قالت الصغرى: هو ولدها يا نبي الله، فعرف أنه لها، لأنها أدركها حب الولد فتنازلت عن حقها منه ودعواها، والكبيرة رضيت لأنه لا يهمها أن يقتل ابن هذه المرأة، كما أكل الذئب ولدها. (١)

إذًا نأخذ من هذا أنه يجوز للإنسان أن يورّي للشيء لاستطلاع الأمر واستظهاره؛ لأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما قال لابنه: {فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} فإن ظاهر ذلك أنه يريد أن يستشيره ويأخذ رأيه إن وافق وإلا لم ينفذ، وليس الأمر كذلك، بل أراد أن يختبره لينظر مدى قبوله لهذا الأمر واستعداده لتنفيذه.

٥ - ومن فوائدها: أن رؤيا الأنبياء حق، وذلك أن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- اعتمدها ولو لم تكن حقًّا لم يعتمدها، ولكن لو رأى أحدنا مثل هذه الرؤيا أنه يذبح ابنه فهل هذا حق؟ الجواب: لا، ليس بحق قطعًا لأننا لا نؤمر أبدًا عن طريق المنام ولا عن طريق اليقظة بذبح أبنائنا، لكن إما أن تكون رؤيا ويكون فيها إشارة إلى شيء مشابه، وإما أن تكون من الشيطان ليحزنك، أما أن تكون أمرًا يجب تنفيذه فهذا لا يمكن.

٦ - ومن فوائدها: حسن أدب إسماعيل، -عليه الصلاة والسلام-، حيث قال في جواب أبيه: {يَاأَبَتِ} ولم يقل: يا هذا، أو يسكت، بل قال: {يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}.


(١) أخرجه البخاري كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ} (٣٤٢٧) ومسلم كتاب الأقضية، باب اختلاف المجتهدين (١٧٢٠) (٢٠).

<<  <   >  >>