ومن لوازم ذلك مخالفة الأمتين الأخريين وعدم التشبه بهما (في الجملة، سواء كان ذلك عامًّا، في جميع أنواع المخالفات أو خاصًّا ببعضها، وسواء كان أمر إيجاب، أو أمر استحباب)(١)، لعدة أسباب منها:
١ - لأنَّهما على منهجين طرفين إمّا غلو وبدعة سببهما الجهل والضلال، وإما تحريف وانتحال وباطل سببه النكوص عن الحق ومعاداته، والأُمَّةِ الإِسْلامِيَّةِ على منهج مستقل عن هذين المنهجين المنحرفين ذات اليمين وذات الشمال، متميِّز بما ميَّزَه اللَّه به من الحق والعلم والحكمة فوجب التمسك به ومخالفة ما عداه؛ لأنَّه الحق وليس بعد الحق إلا الضلال، قال تعالى:{قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ}[آل عمران: ٧٣].
٢ - لأنَّ التشبه إذا كان فيما حذَّرَ منه الشارع يعني المتابعة في شيء من أمور العقيدة أو الشريعة أو الشعائر، ويعد ذلك هبوط من الأعلى للأدنى، وحيث إنَّ منهج الإسلام هو الحَقُّ فَإِنَّ التَّشَبه بما عليه الغير فيه متابعة للأَهواء أو الشُّبْهات أو الشهوات، وهذا مناف لمنزلة تميُّز الأمة الإسلامية، واتباعٍ لِسبيلِ غير المؤمنين، وفي ذلك وعيدٌ شديدٌ، قال تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء: ١١٥].
٣ - ولما يفضي إليه التشبه بأهل الكتاب وأهل الجاهلية من محاذير قد تمس عقيدة الإيمان التي كان التميز من ثمارها المباركة، ومن تلك المحاذير: (المشاكلة بين المُقَلِّد والمُقَلَّد -بمعنى التناسب الشكلي والميول في القلب، والانصهار، والموافقة في الأقوال والأعمال، وهذا أمر مخل
(١) ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم: (٢/ ٨٢)، تحقيق ناصر بن عبد الكريم العقل، مرجع سابق.