الإسلاميَّة الوعي بتميُّزها في ضوء ما خصَّها اللَّه به دون سائر الأمم بالملَّة الحنيفية السمحة، وأن تحافظ على هويتها المنبثقة من ذلك المنهج الرباني الذي حدَّد مسارها في الفكر والتاريخ، وألَّا تنخدع -وتحت أي مسمى- للنزول من قلعة هذا التميُّز، فيجري عليها ما جرى على أهل الكتاب من قبل، قال تعالى:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا}[النساء: ١٢٣]، وقوله تعالى:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}[البقرة: ٢١٤].
ولَمَّا نفى اللَّه التميُّز عن اليهود والنصارى أثبته لمن قام بشرطه؛ قال تعالى:{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة: ١١٢].
ومن هنا تأتي أهمية البحث في تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة وموقف المستشرقين منه، لتأصيله أولًا في ضوء الكتاب والسنة، وفهم سلف الأُمَّة وما درج عليه المسلمون في قديم تاريخهم وحديثه، ولنقد موقف المستشرقين منه؛ حيث إنَّهم من طلائع الحضارة الغربية وفكرها، وهو فكر يختلف في موقفه من الفكر الإنساني عامَّة عن فكر الأُمَّة الإسلاميَّة الذي اتسم "بموقفه الإنساني السمح من مجمل الفكر الإنساني، على تباين صوره وأشكاله، سماحة لم يتسع لها صدر غيره من دوائر الفكر والحضارة في تاريخ البشر"(١).
وهذا ما يقر به المنصفون من المستشرقين وغيرهم من مفكري الغرب
(١) عرفان عبد الحميد، دراسات في الفكر العربي الإسلامي، ص ٢٣، (المرجع السابق نفسه).