سبق التعريف بالعبادة والعبوديَّة، وما تقتضيه من خضوع للَّه ومحبة له ولرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأنَّ تلك المحبَّة تفضي إلى متابعته -صلى اللَّه عليه وسلم- عن نيَّة وقصد، والتزام بما كان عليه من عبادة.
ثُمَّ إنَّ فائدة العبادة تعود للمكلف نفسه في المقام الأول، وكذلك تنعكس آثارها على حياته وحياة الأُمَّة من حوله، وسيأتي الحديث عن هذا الجانب في نقطة أخرى، أمَّا البحث هنا فيتركز على روح العبادة وأسرارها، وإن كان من المسلمات لدى المسلمين (أن العبودية للَّه شعارها الإيمان بالغيب ولو لم تره، والطاعة لأمره ولو لم تحط بسره، وحسب المؤمن أن يعلم بالإجماع أن اللَّه غنيٌّ عن العالمين، وإذا تعبد سبحانه عباده بشيء فإنَّما يتعبدهم بما يصلح أنفسهم، ويعود عليهم بالخير في حياتهم الروحيَّة والماديَّة، الفردية والاجتماعية، الدنيويَّة والأخرويَّة، بيد أن الإنسان المحدود قد تخفى عليه حكمة اللَّه جل علاه، وكم للَّه من أسرار خافية حتى عن أفهام الأذكياء من الناس، وكما أخفى سبحانه كثيرًا من أسرار هذا الكون عن الإنسان، أخفى عليه بعض أسرار ما شرع ليظل الإنسان في هذا وذاك متطلعًا بأشواقه وراء المجهول آملًا في الوصول، معترفًا بالقصور، وليظل دائمًا في دائرة العبوديَّة المؤمنة التي شعارها دائمًا:{سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[البقرة: ٢٨٥])(١).
(١) محمد بن أمين أبو بكر: العبادة وأثرها كما جاء بها القرآن الكريم، مجلة كلية الشريعة وأصول الدين بالجنوب، أبها، العدد [٣] ١٤٠٣ هـ - ١٤٠٤ هـ: ص ١١٢، ١١٣، عن جامعة الإمام، الرياض. وانظر: الشاطبي: الاعتصام ٢/ ٤٧٩، ٤٨٠، تحقيق: أحمد عبد الشافي، (مرجع سابق). أورد في هذا المعنى كلامًا لطيفًا، ممَّا جاء فيه: (إنَّ كل =