والجاهلية، أن تكون معرفته بالكفر والجاهلية فوق معرفة عامة المسلمين وأوساطهم، كذلك يجب أن يكون استعدادهم كاملًا وقوتهم تامَّة، يقارعون الحديد بالحديد، بل بأقوى من الحديد، ويقابلون الريح بالإعصار، ويواجهون الكفر وأهله بكل ما يقدرون عليه. . .، وبكل ما اكتشفه الإنسان ووصل إليه العلم في ذلك العصر، من سلاح وجهاز، واستعداد حربي لا يقصرون في ذلك ولا يعجزون:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}[الأنفال: ٦٠](١).
ومن خلال القيام بدراسة الدعوة والجهاد باعتبارهما من وسائل تحقيق تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة يظهر الترابط بينهما، ويتجلَّى مفهوم الجهاد، وتحديد مظاهره، وفي ضوء هذا فإنَّه: (لا يكون الجهاد أصيلًا شاملًا ما لم تتابع التربية وظيفتها في تأصيل معناه وتبيان مظاهره، وتفصيلها حسب متطلبات الزمان والمكان، والذي يقرر عمل التربية في هذا المجال ثلاثة عوامل؛ الأول: درجة تطور البشرية، والثاني: نوع التحديات القائمة في الداخل والخارج، والثالث: نسخ المظهر الجهادي، أو رفع النسخ عنه، وانطلاقًا من هذه العوامل الثلاثة ينقسم ظاهر الجهاد إلى ثلاثة مظاهر رئيسية يندرج تحت كل منهما تطبيقات عملية لا حصر لها ولا نهاية؛ وهذه المظاهر الرئيسية هي:
١ - الجهاد التربوي: يستهدف الجهاد التربوي تزكية الإنسان المسلم من منزلة -الخضوع للغرائز والدوافع- الآنية المؤقتة التي تبقيه حبيس الشهوات والانفعالات الفردية التلقائية والارتقاء به إلى منزلة -تحقيق الذَّات- التي يحقق الإنسان عندها إنسانيته، فيسترشد بتفكيره وعقله وخبراته المنظمة عن الخالق والكون والإنسان والحياة.
(١) انظر: أبا الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين: ص ١٣٠، ١٣١، الطبعة الرابعة عشرة، ١٤١٢ هـ - ١٩٩٢ م، عن دار القلم، الكويت.