منذُ شرع الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في بناء الأُمَّة الإسلاميَّة، وتكوين حقيقتها المثلى، ونموذجها الفريد على أساس من عقيدة التوحيد وشريعة اللَّه، والمنهج الإلهي للحياة بما يتسم به من مفاهيم متميِّزة، وقيم عالية، منذُ بدء انبثاق هذا النور في بطحاء مكة مهبط الوحي نشأ للإسلام والمسلمين تاريخ مميز بالغ التفرد يختلف عمَّا ظهر في حياة البشر من تواريخ في النشوء والتطور، وولدت في تلك الفترة كذلك حضارة جاءت على غير مثال سابق؛ من حيث أصالة الأُسس، وقوة الجذور، وروح الحياة المتجددة ذات التأثير الفاعل في حياة البشرية وحركتها وآمالها وأهدافها، لقد بدأ هذا التاريخ، ونشأت هذه الحضارة في دنيا الواقع، وبصورة فعليَّة ملموسة، وبوقائع ذات أبعاد ضخمة في حاضر الإسلام ومستقبله منذُ قدم الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المدينة المنورة، وبدأت الجهود تبذل بقوة ومثابرة وصبر على تكوين هذه الأُمَّة الإسلاميَّة ذات التميُّز الفريد في مسارها التاريخي، وبنائها الحضاري، وكل ما يؤكد ذاتيتها وشخصيتها وهويتها من تفرد واستقلال عن سواها من الأمم الأُخرى.