[ضرورة إبراز ذاتية الأمة الإسلامية وصقلها وإظهار سمتها وسماتها]
مما سبق تبينت منزلة تميُّز الأمة الإسلامية، وأن هذه المنزلة تعد قدرًا إلهيًا، واختيارًا ربانيًا، وتفضيلًا وتكريمًا من الحكيم الخبير، وبقدر هذه المنزلة السامقة تعظم المسؤولية، وهي حمل رسالة الإسلام وتحقيق هديه في العقيدة والشريعة والأخلاق والسلوك في منطلقات الأمة وغاياتها وأهدافها ووسائلها وأساليبها، وبقدر عظم تلك المنزلة وهذه المسؤولية تظهر ضرورة التميز واقترانها بمنزلته، إذ لابد من تحقيقه في حياة الأمة لتنهض بحمل مسؤوليتها وتنال موعود اللَّه، وهذا ما ألمح إليه عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- في مقولته التي سبق الإشارة إليها:(من سرَّهُ أن يكون من تلك الأُمَّة فليُؤَدّ شرط اللَّه فيها)(١)، وضرورة التميز تتجلى في جوانب كثيرة منها؛ إبراز ذاتية الأمة الإسلامية وصقلها وإظهار سمتها وسماتها، وتجسيد القدوة في تلك الذاتية وإظهارها للإنسانية، وبناء قدرة الأمة الإسلامية على مواجهة الصراع الفكري.
فأما إبراز ذاتية الأمة وصقلها وإظهار سمتها وسماتها، فقد اقتضت حكمة اللَّه أن تكون الأمة الإسلامية أمة متميزة في الدنيا والآخرة، قال تعالى:{مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}[آل عمران: ١٧٩]، وقال تعالى:{لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[الأنفال: ٣٧].
(١) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: (١/ ٣٩٦)، مرجع سابق.