(بذل الوسع وغاية الجهد لنيل أكبر مطلوب وأكبر وطر للمسلم طاعة اللَّه ورضوانه، والخضوع لحكمه، والاستسلام لأوامره، وذلك يحتاج إلى جهاد طويل وشاق ضد كل ما يزاحم ذلك من عقيدة، وتربية، وأخلاق، وأغراض، وهوى، وكل ما ينافس في حكم اللَّه وعبادته من آلهة في الأنفس والآفاق، فإذا حصل ذلك للمسلم وجب عليه أن يجاهد لتنفيذ حكم اللَّه، وأوامره في العالم من حوله، وعلي بني جنسه، فريضة من اللَّه، وشفقة على خلق اللَّه؛ ولأنَّ الطاعة الانفراديَّة قد تصعب وتمتنع أحيانًا بغير ذلك، وذلك ما يسميه القرآن (الفتنة)، ومعلوم أنَّ العالم كله بما فيه من جماد ونبات وحيوان وإنسان، خاضع لمشيئة اللَّه وأحكامه التكوينيَّة، وقوانينه الطبيعية {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}[آل عمران: ٨٣] , {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ}[الحج: ١٨] فيتعين أن جهاد المسلم إنَّما هو لتنفيذ شريعته التي جاء بها الأنبياء، وإعلاء كلمته ونفاذ أحكامه، فلا حكم إلَّا للَّه، ولا أمر إلَّا له، وهذا الجهاد مستمر ماضٍ إلى يوم القيامة، وله أنواع وأشكال لا يأتي عليها الحصر، منها القتال، وقد يكون أشرف أنواعه، وغايته أن لا تبقى في الدنيا قوتان متساويتان متنافستان، تتجاذبان الأهواء والأنفس {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}[البقرة: ١٩٣].
ومن مقتضيات هذا الجهاد أن يكون الإنسان عارفًا بالإِسلام الذي يجاهد لأجله، وبالكفر والجاهلية التي يجاهد ضدها، يعرف الإسلام معرفة صحيحة ويعرف الكفر والجاهلية معرفة دقيقة، فلا تخدعه المظاهر، ولا تغره الألوان، ولا يجب على كل مسلم أن تكون معرفته دقيقة بالكفر والجاهلية، ومظاهرهما، وأشكالهما وألوانهما, ولكن على من (يتولى زمام الدعوة إلى الإسلام)، أو يتولى قيادة الجيش الإِسلامي ضد الكفر