للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشعاعها إلينا، وأحدثت تغييرًا في جهازنا الثقافي -كما هي الحال اليوم- وجب علينا أن نتبين لأنفسنا إذا كان هذا الأثر الأجنبي يجري في اتجاه إمكاناتنا الثقافية أو يعارضها، وما إذا كان يفعل في جسم الثقافة الإسلاميَّة فعل المصل المجدد للقوى أو فعل السم) (١).

إنّ الحضارة الغربية وثقافتها تختلف في معظم مبادئها عن ثقافة الأمة الإسلاميَّة، وقد يصل هذا الاختلاف إلى حد التناقض في المنطلقات والغايات والاتجاهات الفكرية، والمذاهب العقدية؛ ومع ذلك يرادُ لها أن تظهر بمظهر التفوق والعظمة في مُثلها وقيمها على قيم الإسلام ومُثله، وإظهار أيّ تمسك بالإسلام بمظهر التخلف والانحطاط، وإلى جانب ذلك إحياء الحضارات المطمورة في تاريخ ما قبل الإسلام، لمزاحمة الإسلام وإذابة تميز الأمة الإسلاميَّة واعتزازها بأمجادها التاريخية (٢).

وممَّا يُؤسف له أنَّه وجد في واقع الأمة الإسلاميَّة تهاون وقابليّة لتلك الأفكار الغازية التي تستهدف عقيدتها وهويتها، وظهر فيها من يرفع عقيرته بأفكار استشراقية، ويمارس أنماطًا للحياة غريبة عن ذاتية الأمة الإسلاميَّة، ولا تنسجم مع تعاليم دينها وهدي رسولها -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما وجدت تلك الانحرافات والسموم طريقها لتصبح ظاهرة بارزة في واقع المسلمين اليوم يخشى مع نموها واتساعها أن تهدد تميز الأمة الإسلاميَّة؛ بحيث تذوب شخصية الأمة الخاصة بها في ثقافات شتى والثقافة الغربية خاصة؛ انخداعًا بمعطياتها الحضارية التي لم تُنَزَّل منزلتها الحقيقية في نظر المسلمين، وكان


(١) محمد أسد: الإسلام على مفترق الطرق: ص ١٨، ترجمة عمر فروخ عن دار العلم للملايين بيروت، ١٩٨١.
(٢) انظر: عبد الكريم عثمان: معالم الثقافة الإسلاميَّة: ص ٩٧، الطبعة الثالثة، ١٣٩٩ هـ - ١٩٧٩ م، عن مؤسسة الأنوار للنشر والتوزيع، الرياض. وانظر: عرفان عبد الحميد: دراسات في الفكر العربي الإسلامي ص ٨١، (مرجع سابق).

<<  <  ج: ص:  >  >>