الأُمَّة الصالح، واستمرت الأُمَّة الإسلاميَّة في تاريخها القديم والحديث منضبطة بضوابط هذه العقيدة ولم يند عن هذا المسار إلَّا حالات نادرة وشاذَّة، رُبَّمَا أظهرت معالجة المسلمين لآثارها: قيمة العدل والإحسان، التي تميَّزت بها الأُمَّة الإسلاميَّة في سيادتها على غيرها من الأمم، وأعني بذلك -كمثال- حادثة فتح (سمرقند) حينما فتحها المسلمون -كما تذكر المراجع التاريخيَّة- دون تخيير أهلها في (الدخول في الإسلام، أو دفع الجزية، أو القتال) وما إنْ رفع أهل سمرقند أمرهم إلى خليفة المسلمين حتى أوكل ذلك لأحد قضاة المسلمين فحكم بالآتي:
أولًا: خروج المسلمين من سمرقند.
ثانيًا: دفع تعويضات من خزانة الدولة الإسلامية لأهل (سمرقند) مقابل ما نزل بهم من أضرار من جراء دخول المسلمين بلادهم دخولًا مخالفًا لمنهج الدعوة.
ثالثًا: تعاد دعوتهم إلى الإسلام فإن أبوا خُيِّرُوا بين الصلح وبين القتال.
ولكن أهل (سمرقند) تنازلوا عن شكواهم بعدما لمسوا من الروح الطيبة والخلق الكريم، والسلوك الجميل من المسلمين الفاتحين) (١).
وإذا كانت هذه الضوابط التي ضبطت بها العقيدة الإسلاميَّة تحجبها عن إيذاء الآخرين، وعن الإفساد في الأرض وعن إهلاك الحرث والنسل حينما يبلغ بها الاندفاع أقصاه ممثلًا في قتال الكُفَّار، فإنَّ هناك ضوابط
(١) المطعني: سماحة الإسلام. .: ص ١٥٨، ١٥٩، (مرجع سابق)، وانظر: الكامل لابن الأثير، ٥/ ٦٠، ٦١، طبعة دار صادر، ١٣٨٥ هـ - ١٩٦٥ م، بيروت، وانظر: البلاذري: فتوح البلدان: ص ٤١١، تحقيق: رضوان محمد رضوان، طبعة دار الكتب العلمية، ١٤١٢ هـ - ١٩٩١ م، بيروت، وانظر: محاضرات في تاريخ الأمم الإسلاميَّة: محمد الخضري: ١/ ١٨١، الطبعة الثامنة، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، ١٣٨٢ هـ.