أولها: إن ما كان من بقية الحق المتمثل في بعض الآثار الدينية التي تعود إلى الحنيفية السمحة فإن عقيدة الإسلام التي جاء بها الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لاتناقضها بل تجلوها وتبقي على ما كان حقًّا منها، وفي مقدمة ذلك بعض شعائر الحج والعمرة من طواف وسعي وغيرهما (١)، قال تعالى:{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[الأنعام: ١٦١].
ثانيًا: رد بعض الباحثين على زعم (بروكلمان) في هذا بقوله: (كان على بروكلمان أن يعرف مكانة الحجر الأسود عند عرب الجاهليَّة، وسبب تقديسه بعد الإسلام، وكان عليه أن يميَّز بين الوثن والصنم من جهة، وبين الحجر الأسود الذي لم نسمع في الروايات التاريخية شيئًا عن عبادة العرب له، لقد اتخذ العرب آلهتهم في الجاهليَّة من أشياء لا تحصى، ومع ذلك لم يرد مطلقًا أن الحجر الأسود كان ضمن آلهتهم، بل كانت له منزلة محترمة؛ لأنَّه من بقايا بناء إبراهيم للكعبة، وبناء على ذلك فالإسلام لم يقر وثنية كانت في الجاهليَّة، واستلام الحجر الأسود في الحج يرجع إلى اعتبار رمزي، لا إلى تقديس الحجر ذاته، لقد أعادت قريش بناء الكعبة، واختلفت بطونها على من يعيد الحجر مكانه، وأقبل محمد الأمين قبل البعثة بخمس سنوات، فدعوه لرجاحة عقله وحبِّهم له، فهو الأمين؛ ليفصل في الأمر فبسط رداءه، ووضع فيه الحجر، وجاء من كل بطن رجل، حمل من طرف الرداء، حتى أوصله عليه الصلاة والسلام إلى موضعه، فوضعه بيده الشريفة، وأنهى مشكلة حرجة، وسبب احترامه أنه
(١) انظر: عزية طه: من افتراءات المستشرقين على أحاديث التوحيد، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية: ص ٥٣، (مرجع سابق).