وأممًا في منظومة الوجود ونواميسه وعلله وأسبابه ومسبباته، فالكل خاضع للَّه، ويتحرك في نظام سنة اللَّه {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}[البقرة: ١١٦].
ورد في سورة (يس) ما يبين أهمية النظام، وأن الكون والحياة تسير وفق نظام في غاية الدقة والإعجاز، قال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: ٣٧ - ٤٠].
كذلك الإنسان وهو ذلك المخلوق المكرم الذي استخلفه اللَّه -جل جلاله- في الأرض، وسخر له الكثير من ملكوت السموات والأرض ليحقق الرسالة التي أنيطت به، وليسير نحو الغاية التي خلق من أجلها:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦]. فإن هذه الرسالة وذلك التكليف لا يتأتى والغاية لا تتحقق إلا في ضوء نظام يحدد مساره، وينظم علائقه، ويضبط أوضاعه، ويحل مسائله وقضاياه، وإلا سادت الفوضى وعمت الجهالة.
ولقد استفاضت الآيات الكريمة في عرض قصة آدم عليه السلام، بما يبين أهمية النظام للإنسان، وأنه لا يمكن أن يجد النظام الملائم لفطرته والمتسق مع غايته والكفيل بإسعاده في الحياة الدنيا والآخرة إلا فيما جاء عن اللَّه من الهدى، قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (١١٦) فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (١١٩) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (١٢٠) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (١٢٢) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّ