للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - أمَّا استدلال بعض المستشرقين بسرعة تدوين الفقه الإسلامي على كونه اقتبس من نماذج جاهزة تمثلت في القانون الروماني فقد ردَّ على ذلك المستشرق (نالينو) بقوله: (إنهم -أي المسلمين- جعلوا الفقه جزءًا من علم الدين لا ينفك عنه، ولم يجعلوه علمًا ماديًّا من أمور الدنيا، فازدهار الفقه السريع ليس إلا أحد مظاهر الازدهار العام للعلوم الدينية عند المسلمين وكان ابتداؤها من تفسير القرآن ومن جمع الحديث وتشريحه) (١).

وعلى الرغم من كون تلك السرعة في تدوين الفقه الإسلامي ليست على إطلاقها، بل تدرجت في سلم الحضارة الإسلامية فإنها تعدُّ في نظر المنصفين ممَّا تميزت به الأمَّة الإسلامية، وقد أثبت الباحثون: (أن الفقه الإسلامي لا يلتقي مع القانون الروماني في منهج التدوين لا من حيث التقسيم، وترتيب المسائل، وتشقيق الفروع، ولا من حيث الصياغة واستخدام الألفاظ والعبارات) (٢)، كما أثبتوا كذلك بأنَّ (كتب ذلك الفقه لا يحتوي على كلمة واحدة أو إشارة عابرة توحي بالتأثر والنقل) (٣)، مما يبرهن على فساد آراء أولئك المستشرقين ومجافاتهم قواعد البحث العلمي وضوابطه المنهجية، حتى لقد بلغ الإسفاف ببعضهم إلى القول: (إن هناك تواطؤًا مقدسًا على السكوت الجنائي عند المؤلفين المسلمين بصدد المصادر التي أخذوا منها مادتهم) (٤).


(١) نالينو: نظرات في علاقات الفقه الإسلامي بالقانون الرومي: ص: (٢١)، (مرجع سابق).
(٢) محمد الدسوقي: الاستشراق والفقه الإسلامي: ص: (٧١٩)، (مرجع سابق).
(٣) المرجع السابق نفسه: ص: (٧١٩).
(٤) السير رولاند ولسون: خلاصة القانون المحمدي، ص: (٢٤)، نقلًا عن: فتزجيرالد: الدين المزعوم للقانون الرومي على القانون الإسلامي: ص: (١٦٤)، (مرجع سابق).

<<  <  ج: ص:  >  >>