وبعد أن يصف رقعة الإسلام في آسيا وإفريقية، وأنها تفصل الدول الغربية بعضها عن بعضها الآخر، وأن دعائم الإسلام ثابتة الأركان في أوروبا عينها. . .، قال (وخلاصة القول: إن جميع المسلمين على سطح المعمورة تجمعهم رابطة واحدة بها يديرون أعمالهم، ويوجهون أفكارهم إلى الوجهة التي يبتغونها، وهذه الرابطة تشبه السبب المتين الذي تتصل به أشياء تتحرك بحركته وتسكن بسكونه، ومتى اقتربوا من الكعبة: من البيت الحرام، من زمزم الذي ينبع منه الماء المقدس، من الحجر الأسود المحاط بإطار من فضة، من الركن الذي يقولون عنه أنه سرة العالم، وحققوا بأنفسهم أمنيتهم العزيزة التي استحثتهم على مبارحة بلادهم في أقصى مدى من العالم للفوز بجوار الخالق في بيته الحرام، اشتعلت جذوة الحمية الدينية في أفئدتهم، فتهافتوا على أداء الصلاة صفوفًا. . . وتقدمهم الإمام مستفتحًا العبادة بقوله: (بسم اللَّه)، فيعم السكوت والسكون، وينشران أجنحتهما عشرات الألوف من المصلين في تلك الصفوف، ويملأ الخشوع قلوبهم ثم يقولون بصوت واحد:(اللَّه أكبر) ثم تعنو جباههم بعد ذلك قائلين: (اللَّه أكبر) بصوت خاشع يمثل معنى العبادة) (١).
وعلى الرغم من وقوف (هانوتو) على هذا المعنى السامي لجوهر الأخوة الإسلامية ووحدة الأمة الإسلامية، فإنه لا يهتدي بما فيها من نور وروحانية -بغض النظر عن تجاوزاته في بعض العبارات والمفاهيم- بل يرفع عقيرته محذرًا بني جلدته من هذه الوحدة، ومستنفرًا لهم كي يعملوا على إضعافها وتفتيتها؛ فيقول:(لا تظنوا أن هذا الإسلام الخارجي الذي تجمعه جامعة فكر واحد، غريب عن إسلامنا (في تونس والجزائر)
(١) نقلًا عن محمد البهي: الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي: ص: (٣٣)، المرجع السابق نفسه.