وفي غضون بضعة عقود أصبحت الأُمَّة الإسلاميَّة؛ هي الأُمَّة العالميَّة التي دان لها الشرق والغرب أو كاد، واستظلت البشرية بحضارتها الزاهرة ردحًا من الزمن، تحررت فيها الضمائر والعقول، وراجت العلوم والمعارف، ثُمَّ دالت دولتها بسببٍ من ذاتها، وبسبب مكائد القوى المعادية لها، وما نالت من سيادتها، حتى تراجعت إلى الوراء، وغُلِبَتْ على أمرها، وفرض عليها التخلف والحرمان، إلى درجة غير معقولة، ومع ذلك (فإنَّ الإسلام بمبادئه السامية، وتشريعاته الملائمة وجد له أعوانًا وأنصارًا وقلوبًا في كل جهات العالم، وأن البيئات التي وجدوا فيها لم تكن حائلة دون تطبيق تعاليمه، وأن أجناسهم وألوانهم ولغاتهم لم تقف حائلًا دون اعتناق هذا الدين، والتفاعل مع مبادئه، كان له في بعضها تاريخًا قديمًا لازمها قرونًا عدَّة لم تزده الأيام إلَّا قوة في نفوسهم واعتزازًا به، وهذا من أكبر الأدلة على عالميَّة الإسلام وحيويته واتفاقه مع جميع الحاجات البشرية، فكل الجماعات الإنسانية التي جاء لينظمها ويسمو بها، دون النظر إلى الحواجز التي أقامها الناس فكانت سببًا في متاعبهم وآلامهم التي لن تنتهي إلَّا إذا عادوا إلى الأوضاع الصحيحة التي فطر اللَّه الإنسان عليها)(١).
وتبقى جوانب أخرى تعد من دلائل عالميَّة الأُمَّة الإسلاميَّة يأتي الحديث عنها في:
* * *
(١) المرجع السابق نفسه: ص ٤٥٦، وانظر: حسن إبراهيم حسن: تاريخ الإسلام ١/ ١٢٩ - ١٤١، (مرجع سابق).