للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-رضي اللَّه عنه-: (فقال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بَخْ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعتُ ما قلتَ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين"، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول اللَّه، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه) (١).

تبين هذه النماذج الثلاثة -وهي غيض من فيض مِمَّا كان عليه السلف الصالح (٢) - أنَّ المسارعة في أعمال البر والإحسان والسبق إليها من أهم خصائص تميّز الأُمَّة الإسلاميَّة، وأنَّ هذه الخصيصة تأتي منسجمة مع خصائص أخرى امتدح اللَّه -عز وجل- الأُمَّة الإسلاميَّة بها، وميَّزها بها عن غيرها، قال اللَّه تعالى: {الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (٦٠) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: ٥٧ - ٦١]، فقد بينت الآيات الكريمة جوانب كثيرة لهذه الإيجابيَّة الخيّرَة للأُمَّة الإسلاميَّة، إذ هي إيجابيَّة نحو ربها جلَّ وعلا: تتمثل في خشيته تعالى، والشفقة منه تعالى والإيمان بآياته، وعدم الإشراك به، ومن الإيمان بآياته الإيمان برسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- وما جاء به من الآيات والذكر الحكيم، والوعد والوعيد، والحلال والحرام، وما يتبع ذلك من وجوب طاعته ومحبته ومناصرته والرضى بحكمه، وهذه إيجابيَّة نحو رسول الأُمَّة محمد بن عبد اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإيجابيَّة نحو الناس تتمثل في الصدقة والنفقة والإحسان، ونحو ذلك من وجوه البر.

ثُمَّ إنَّ هذه الإيجابيَّة لا تبعث على الركون إلى العمل والاغترار به، بل يمارس المؤمن تلك الإيجابيَّة الخيِّرَة وهو متواضع للَّه، يرجو رحمته ويخاف


(١) أخرجه البخاري: المرجع السابق نفسه (بقية الحديث).
(٢) لمزيد الاطلاع من النماذج الدَّالَّة على خصيصة الإيجابيَّة الخيِّرَة؛ انظر: أبا الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين: ص ١١١ - ١١٣، وقبلها: ص ٩٦ - ١٠١، ص ١٠٣ - ١٠٩، الطبعة الرابعة عشرة ١٤١٢ هـ - ١٩٩٢ م، عن دار القلم - الكويت.

<<  <  ج: ص:  >  >>