للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنَّهم أحسوا بكونهم بناة الدولة وحماتها، ودعاة الإسلام وحاملو رسالته، والمبشرون بعقيدته في مختلف أرجاء الأرض) (١)، ولكي تُعْرَفَ خصيصة الإيجابيَّة الخيِّرَة في محيط العرب بخاصة، ثُمَّ في محيط الأمم الأخرى بعامَّة، ينبغي أن يُنْظَرَ في حال هؤلاء وأولئك قبل الإسلام، ثُمَّ في حالهم بعد ظهوره وانتشاره.

أ- فأمَّا العرب فقد كانوا قبل الإسلام: (في جاهليَّة جهلاء، وفي ضلالة عمياء، يسفكون الدماء، ويخيفون الطرق، وينتهبون الأموال، ويتعاطون كبائر الآثام، ليس لهم مَلِكٌ يَنْظم بَدْوَهم، ولا سائسٌ يقيم أَوَدَهم، فرزقوا رسولًا من اللَّه تعالى، مبعوثًا بالحق والهدى؛ ليعلمهم الكتاب والحكمة، ويأمرهم بالعدل والإحسان، وينهاهم عن الفحشاء والمنكر، ويدعوهم إلى ترك العصبيَّة، وحميَّة الجاهليَّة. فآواهم وأيدهم بنصره، ومكَّنهم من الممالك، بعد أن كانوا قنعوا من أربابها بالسلامة من سطوتهم، فضلًا عن الاستيلاء على خططهم، كما قال تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ} [الأنفال: ٢٦]، فأصبحوا بمكان هذه الدعوة أصنافًا ثلاثة:

صنف منهم ملوك أَعزَّة، وولاة المنابر والأسرة، قد نفذ حكمهم على الأقربين والأبعدين؛ لتحصيلهم الرياسة في الدين، وتوسعهم في معرفة أحكامه، والتفقه في حلاله وحرامه، فسعدوا بأشرف خطوة، وأجل أُكْرُومة.

وصنف منهم توجهوا إلى الآفاق في المغازي، فسهَّل اللَّه لهم فتح البلاد، وذلَّل لهم رقاب العباد، فتقابلوا في النواحي التي فتحت لهم، وحازوا فيها نعمًا جسيمة، وأملاكًا عريضة، بعد أن كانوا مَمْنُوِّين في جاهليتهم بضيق الحال، وضنك العيش.


(١) سعيد عبد الفتاح عاشور: بحوث في تاريخ الإسلام وحضارته: ص ١١٠، (مرجع سابق).

<<  <  ج: ص:  >  >>