للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُتَوَصَّلُ إلى كمال الإنسانيَّة، وباقتنائها تستحق الرتبة الروحانيَّة، وكان سببه أن (زرادشت) المتنبئ لَمَّا أسَّسَ لهم في الأبواب الاعتقاديَّة تلك الأصول الدَّالة على نزارة حظه من الحكمة النظريَّة: نحو كون العالم من قديمين، وحصول جبلَّته من امتزاج الضدين، وأنواع هذيانه في العفاريت والشياطين، وخطئه الفاحش في شكل الأرض، وتخطيط الأفلاك -صيرهم بالمأخذ التقليدي مزجورين عن الحكمة الإلهية، تحرزًا من أن يتنبه الناظر فيها، والمتحقق لبراهينها، على سخافة دعاوية، فابْتُلِيَ أَلِبَّاءُ العجم لمكان الدعوة المجوسيَّة -مع أفهامها الزكيَّة، وعقولها السريَّة- بالمنع القادح عن أشرف أبواب الحكمة، بل ثكلوا روح اليقين بالحقائق البرهانية.

والأخرى: أن طبقاتهم بأسرهم كانوا مضطهدين بسياسة الاستعباد، وإيالة الاستخوال؛ إذ كان ملوكهم وسَمُوا أنفسهم بسمة (الخُذَايكانية) (١)، ووسموا كافَّة من سواهم بسمة (الدهكانية) (٢).

وليس يُشكُّ أن تسخير العاقل الحر بالقهر والغلبة على المنزلة الواحدة، وزجره عن اكتساب المحامد بالهمَّة العليَّة، والتمني باجتهاد سعيه إلى ما يتمناه من الجاه والمَعْلُوَة -في الغاية في الاتِّضَاع والخسَّة- وهي النهاية في الاستسلام للغضاضة.

وإذْ وجدت المحنتان مطبقتين على العجم: إحداهما من جهة ملوكهم، والأخرى من جهة مَوَابِذَتِهم -فمن الواجب أن نعلم أنَّ مجيء الإسلام قد أفادهم بشرفه واستعلاء مكانه عوائد ثلاث:


(١) مصطلح فارسي يعني طبقة السادة والعظماء والملوك.
(٢) مصطلح فارسي آخر يعني طبقة الفلاحين والمزارعين والقرويين، ولمزيد الاطلاع على هذه المسميات والتفرقة العنصرية، انظر: المسعودي: التنبيه والإشراف: ٩٧، ١٠٣، ٤٢٠، طبعة ليدن بمطبعة برلين ١٨٩٣ م، وانظر: كتاب الإعلام بمناقب الإسلام: ص ١٧٥، ١٧٦ (الحاشية) تعليقات المحقق، (مرجع سابق).

<<  <  ج: ص:  >  >>