للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجهاد في سبيل اللَّه، وقد سبق أن الصلاة تشتمل على أنواعٍ عدَّة من العبادات الاعتقادية والقلبيَّة واللفظيَّة، وكذلك البدنية، لما فيها من القيام والركوع والسجود، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨)} [الحج: ٧٧ - ٧٨].

قال ابن قيم الجوزيَّة: (أخبر تعالى أنَّه اجتباهم، والاجتباء كالاصطفاء، وهو افتعال من اجتبى الشيء يجتبيه إذا ضمه إليه وحازه إلى نفسه، فهم المجتبون الذين اجتباهم اللَّه إليه، وجعلهم أهله وخاصته وصفوته من خلقه بعد النبيين والمرسلين، ولهذا أمرهم تعالى أن يجاهدوا فيه حقَّ جهاده فيبذلوا له أنفسهم، ويفردوه بالمحبَّة والعبوديَّة، ويختاروه وحده إلهًا معبودًا محبوبًا على كل ما سواه، كما اختارهم على من سواهم، فيتخذونه وحده إلههم ومعبودهم الذي يتقربون إليه بألسنتهنم، وجوارحهم، وقلوبهم، ومحبتهم، وإرادتهم، فيؤثرونه في كل حال على من سواه، كما اتخذهم عبيده وأولياءه وأحباءَه، وآثرهم بذلك على من سواهم) (١).

وقد أظهر ابن قيم الجوزية -رحمه اللَّه- في تفسيره لهذه الآية تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة، وربط هذا التميُّز بهدف من أهدافه وهو تحقيق العبوديَّة للَّه، وأظهر -أيضًا- مدلول العبوديَّة في الإسلام، وأنَّه يشتمل على عمل القلب واللسان والجوارح (٢).


(١) بدائع التفسير: ٣/ ٢٢٣، (مرجع سابق).
(٢) انظر: مدارج السالكين ١/ ١٢٣ - ١٣٧، (مرجع سابق).

<<  <  ج: ص:  >  >>