للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول ابن تيمية عن هذا: (والقلب خلق يحب الحق ويريده ويطلبه، فلما عرضت له إرادة الشر طلب دفع ذلك، فإنَّه يفسد القلب كما يفسد الزرع بما ينبت فيه من الدغل؛ ولهذا قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: ٩ - ١٠]، وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: ١٤ - ١٥]) (١).

وقبل ذلك بيَّن أنَّ من سر العبوديَّة للَّه إصلاح القلب من الفساد، وأنَّ ذلك لا يتحقق إلَّا بتعبئة القلب بحب اللَّه والخضوع له، ويقول: (ومن أعظم أسباب البلاء إعراض القلب عن اللَّه، فإنَّ القلب إذا ذاق طعم عبادة اللَّه والإخلاص له لم يكن عنده شيءٌ قط أحلى من ذلك، ولا ألذ ولا أطيب، والإنسان لا يترك محبوبًا إلَّا بمحبوب آخر يكون أحب إليه منه، أو خوفًا من مكروه، فالحب الفاسد إنَّما يصرف القلب عنه بالحب الصالح، أو بالخوف من الضرر، قال تعالى في حق يوسف (عليه السلام): {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: ٢٤]، فاللَّه يصرف عن عبده ما يسوءه من الميل إلى الصور والتعلق بها، ويصرف عنه الفحشاء بإخلاصه للَّه، ولهذا يكون قبل أن يذوق حلاوة العبوديَّة للَّه والإخلاص له تغلبه نفسه على اتباع هواها، فإذا ذاق طعم الإخلاص، وقوي في قلبه انقهر له هواه بلا علاج، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: ٤٥]، فإنَّ الصلاة فيها دفع للمكروه وهو الفحشاء والمنكر، وفيها تحصيل المحبوب وهو ذكر اللَّه، وهذا المحبوب أكبر من دفع المكروه، فإنَّ ذكر اللَّه عبادة للَّه، وعبادة القلب للَّه مقصودة لذاتها) (٢).


(١) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ١٠/ ١٨٨، (مرجع سابق).
(٢) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ١٠/ ١٨٧، ١٨٨، (مرجع سابق).

<<  <  ج: ص:  >  >>