وبعد أن يرتب كمال الخصائص الأربعة بانتفاء الآفات الأربعة، يذكر تلك الخصائص قائلًا:(فالمواهب الأربعة؛ أولها: الفضيلة النوعيَّة، وثانيها: الفضيلة الإكرامية، وثالثها: الإمداد بالهداية، ورابعها: التثقيف عند الزَّلة)(١)، فدلَّ رابعها على مكانة الثقافة في تحصين شخصية الأُمَّة، وكمال المحافظة على ذاتيتها وهويتها.
وهذا ما قرَّره أبو نعيم الأصفهاني؛ فهو بعد أن يذكر الآفات الأربع التي يعصم اللَّه منها الأولياء. . يشرع في شرح المواهب الأربعة إلى أن يقول في معنى التثقيف عند الزَّلة: (يثقفه بها صيانة لمحله، وحفاظًا لحراسته، واستقامته، علمًا منه بأنَّ من ينته عن فلتاته أوشك أن يألفه ويعتاده، فاللَّه لطيف بعباده، الوافي لأوليائه بالنصر، والتأييد، ولا يعدم وافده وصفيه المرشّح لحمل النبوة؛ التنبيه والتثقيف، وإليه يرجع قوله تعالى لنوح عليه السلام:{فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}[هود: ٤٦]، وقوله -عز وجل- لداود عليه السلام:{فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ}[ص: ٢٢]، وقوله -عز وجل- لسليمان عليه السلام:{وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ}[ص: ٣٤].
وقوله -عز وجل- لمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم-: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ}[هود: ١١٢]، وقوله -عز وجل-: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ}[الأنفال: ٦٨]، وقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ}[الأنعام: ٣٥]، فهذه الخصائص الأربعة لا تنال بالاكتساب والاجتهاد؛ لأنَّها موهبة إلهية، وأثرة علويَّة، حكمها معلقة بتدبير من له الخلق والأمر، ولا يظهرها إلَّا في أخص الأزمنة، وأحق الأمكنة، إحساس الحاجة الكليَّة، وإطباق الدهماء على الضلال من البريَّة، وكلها أعلى من أن تفوز به العقول الجزئية، أو تحصلها المساعي المكتسبة، وإليه يرجع قوله -عز وجل-: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ