من مجالات تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة بين مسلكين متعارضين، يصدران معًا عن نوايا سيئة، ومقاصد ماكرة؛ فمن نماذج أحد المسلكين أنَّ معظم كتابات المستشرقين تركز على انتشار الإسلام بالسيف، وتروج دوائر العداء للإسلام لهذه المقولة خشية أن يجتاح الإسلام العالم -كما يظنون-، ولتبرير ما ينادون به، ويحرصون عليه من القضاء على المسلمين بالقوة وجعلهم ضعفاء عاجزين لا يقدرون على مواجهة أي قوة تعاديهم، أو تتربص بهم.
ومِمَّا يدل على المسلك الثاني؛ المخالف للمسلك الأول: محاولتهم مداهنة المسلمين، وتحذيرهم بإظهار الكتابات أن الإسلام انتشر بالدعوة والقدوة الحسنة وقوة الأخلاق الإسلاميَّة، وهذه الكتابات -أيضًا- كانت تخدم دوائر العداء للإسلام، بشكل آخر، وقد ثبت أنَّ الاستعمار كان يؤيد مثل هذه الدراسات من أجل كبح جماح المسلمين من مجاهدته، وليستسلموا للواقع المفروض، ولئلا يعودوا لروح الجهاد التي تُعَدّ وسيلة لتحقيق تميُّز الأُمة بأنَّها ذات رسالة، وأنها شاهدة على الناس، وأنَّ مهمتها أن يكون الدين كله للَّه، وعن طريق الجهاد يُمكنها تبليغ دعوة ربها، وبه تستطيع إزالة العوائق وتحطيم الحواجز، وهي في هذا وذاك مرتبطة بقيم الحق والعدل والرحمة والإحسان.
أمّا دعوى انتشار الإسلام بالسيف فهي دعوى قديمة (١) جدّدها المستشرقون المعادون للإسلام، و (جاءت الكتب والمؤلفات والبحوث الحديثة التي صدرت في الغرب عن الإسلام -باستثناء قلّة مِمَّا كتبه
(١) انظر: توفيق علي وهبة: الإسلام في مواجهة أعدائه: ص ٨٥، الطبعة الأولى، ١٤٠٣ هـ - ١٩٨٣ م، عن دار اللواء - الرياض، وانظر: ما قاله العامري في الرد على هذه الدعوى منذُ القرن الرابع الهجري؛ أبو الحسن العامري: كتاب الإعلام بمناقب الإسلام: ص ١٨٨ - ١٩١، (مرجع سابق).