وَلَمْ يُسَافِرْ أَصْلًا وَإِذَا أَقَامَ شَخْصٌ وَكِيلًا وَجَعَلَ عَلَيْهِ نَاظِرًا وَجَعَلَ تَحْتَ يَدِ وَكِيلِهِ أَعْيَانًا عَلَى سَبِيلِ الْوَدِيعَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِذَا رَأَى النَّاظِرُ خَلَلًا فِي تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ كَبَيْعِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ تَلَفًا فِي الْمَالِ فَاقْتَضَى رَأْيُهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا تَحْتَ يَدِهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهَا خَشْيَةً عَلَى بَقِيَّةِ ذَلِكَ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا عَزَلَ الْوَكِيلُ نَفْسَهُ أَوْ مَاتَ هَلْ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى مَا تَحْتَ يَدِهِ مِنْ الْأَعْيَانِ أَوْ يَتَوَلَّى أَمْرَ ذَلِكَ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ وَيَكُونُ نَظَرُهُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ وَلَا يَتَصَرَّفُ الْحَاكِمُ فِي شَيْءٍ إلَّا بِإِذْنِهِ وَإِذَا قُلْتُمْ لَهُ قَبْضُ ذَلِكَ دُونَ الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ وَامْتَنَعَ هَلْ يَضْمَنُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يُقْبَلُ مِنْ الْأَمِينِ دَعْوَى الرَّدِّ إلَّا إنْ كَانَ عَلَى مُؤْتَمِنِهِ وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى مَعَ وَارِثِهِ وَأَمَّا عَلَى غَيْرِ الْمَؤْتَمِنِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ الرَّدَّ عَلَيْهِ وَقِيَاسُ مَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ فِي الْوَصِيِّ وَالْمُشْرِفِ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ إنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ لَا تَعْمَلْ إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ أَوْ نَحْو ذَلِكَ لَمْ يَعْمَلْ إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنْ قَصَّرَ بِمَا يَقْتَضِي عَزْلَهُ لَمْ يَجُزْ لِلنَّاظِرِ التَّصَرُّفُ بَلْ يُرْفَعُ الْأَمْرُ لِلْقَاضِي لِيُنَصِّبَ قَيِّمًا لِيَكُونَ الْمَالُ تَحْتَ يَدِهِ وَيَدِ النَّاظِرِ وَلَا يَتَصَرَّفَانِ فِيهِ إلَى حُضُورِ الْمُوَكِّلِ وَالْفَرْقُ بَيْن هَذَا وَنَظِيرِهِ فِي الْوَصِيَّتَيْنِ وَاضِحٌ.
(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ عِنْدَهُ رَهْنٌ أَوْ وَدِيعَةٌ فِي حِرْزٍ هُوَ دَارٌ يَسْكُنُهَا فَأَرَادَ الِانْتِقَالَ مِنْهَا إلَى أُخْرَى مِنْ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ تَصْلُحُ حِرْزًا لِمَا عِنْدَهُ لَكِنَّهَا دُونَ الْأُولَى فِي الْإِحْرَازِ أَيَّامَ سُكْنَاهُ لَهَا وَبَعْدَ الِانْتِقَالِ لَا تَكُونُ حِرْزًا فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَقَاءُ فِي الْأُولَى لِأَجْلِ مَا عِنْدَهُ أَوْ لَا اسْتِصْحَابًا لِأَصْلِ حِرْزِيَّتِهَا وَلَا يَضْمَنُ إنْ ضَاعَتْ أَوْ يَدْفَعُهُ لِقَاضٍ أَوْ أَمِينٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نُقْلَتُهُ سَفَرًا أَوْ لِمَالِكِهِ إنْ حَضَرَ وَإِنْ كَانَ رَهْنًا وَتَفُوتُ وَثِيقَتُهُ أَوْ يَلْزَمُهُ نَقْلُهُ مَعَهُ فِي سَكَنِهِ لِأَنَّهُ أَحْرَزُ مِنْ الْأَوَّلِ حِينَئِذٍ بَلْ الْأَوَّلُ الْآنَ غَيْرُ حِرْزٍ وَيَكُونُ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ يَضْمَنُ بِنَقْلِهَا إلَى حِرْزٍ دُونَهَا مِنْ دَارٍ أُخْرَى مُرَادًا بِهِ حَالَ بَقَاءِ ذَلِكَ فِيهَا وَقَدْ ذَكَرُوا جَوَازَ النَّقْلِ لِخَوْفٍ أَوْ نَحْوِهِ وَكَيْفَ يُقَالُ نَنْظُرُ الْبَقَاءَ فِي الْأُولَى وَهُوَ مُحْسِنٌ أَوْ نَائِبٌ عَنْ يَدِ الْمَالِكِ بِلَا الْتِزَامٍ أَوْ بِجَوَازِ تَرْكِهِ فِيهَا فَضْلًا عَنْ مَنْعِهِ مِنْ النَّقْلِ وَهِيَ بَعْدَ الِانْتِقَالِ غَيْرُ حِرْزٍ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمَالِكُ حِرْزًا لِلْوَدِيعَةِ أَوْ نَحْوِهَا فَالنَّقْلُ لِغَيْرِ دَارِهَا تَارَةً يَكُونُ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَتَارَةً يَكُونُ لِعُذْرٍ فَإِذَا كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ حَامِلٍ عَلَيْهِ كَانَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ إنْ كَانَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْإِحْرَازِ سَوَاءٌ أَكَانَ الثَّانِي حِرْزًا لِمِثْلِهَا أَمْ لَا وَوَجْهُ تَضْمِينِهِ بِذَلِكَ أَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلتَّلَفِ بِمَا تَعَاطَاهُ مِنْ النَّقْلِ الْمَذْكُورِ فَأُدِيرَ الْهَلَاكُ الْوَاقِعُ بِهَا عَلَى أَقْرَبِ أَسْبَابِهِ وَأَخَصِّهَا وَهُوَ النَّقْلُ بَلْ لَا سَبَبَ ظَاهِرٌ لِلْهَلَاكِ حِينَئِذٍ غَيْرُ النَّقْل الَّذِي هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ نَوْعُ تَعَدٍّ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَأَنَّهُ أَدْوَنُ مِنْ الْأَوَّلِ إحْرَازًا فَكَانَ النَّقْلُ إلَيْهِ سَبَبًا لِلْهَلَاكِ كَمَا تَقَرَّرَ إذْ لَوْ بَقِيَتْ بِالْأَوَّلِ الْأَحْرَزِ لَمْ تَتْلَفْ بِخِلَافِ مَا إذَا نَقَلَهَا إلَى حِرْزٍ مِثْلِ الْحِرْزِ الْأَوَّلِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ إحْرَازًا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالنَّقْلِ وَإِنْ حَصَلَ الْهَلَاكُ بِهِ وَلَوْ إلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى لَا سَفَرَ بَيْنَهُمَا وَلَا خَوْفَ وَلَا نَهْيَ مِنْ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِهِ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا إذَا لَوْ بَقِيَتْ بِالْأَوَّلِ لَتَلِفَتْ أَيْضًا لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الثَّانِيَ مِثْلُهُ أَوْ أَعْلَى وَلِأَنَّ الْغَرَضَ لَا يَتَفَاوَتُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَانَ نَقْلُهَا لِظَنِّ أَنَّهَا مِلْكُهُ أَوْ لِأَجْلِ سَفَرٍ أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهَا مِنْ نَحْوِ لُصُوصٍ أَوْ نَهْبٍ أَوْ حَرِيقٍ أَوْ هَدْمٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَإِنْ نَقَلَهَا إلَى حِرْزٍ مِثْلِهَا الْأَدْوَنِ مِنْ الْأَوَّلِ إحْرَازًا لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُنْسَبُ لِلتَّعَدِّي بِوَجْهٍ فَلَمْ يَقْتَضِ فِعْلُهُ الضَّمَانَ لِجَوَازِ نَقْلِهَا حِينَئِذٍ بَلْ وُجُوبُهُ إلَى حِرْزِ مِثْلِهَا وَيَتَعَيَّنُ مِثْلُ الْحِرْزِ الْأَوَّلِ إنْ وَجَدَهُ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ بَعْضِهِمْ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ كُلّه الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ أَوْدَعَ أَوْ رَهَنَ شَيْئًا فَجَعَلَهُ فِي مَسْكَنِهِ الَّذِي هُوَ حِرْزٌ لَهُ لِذَاتِهِ أَوْ بِوَاسِطَةِ سُكْنَاهُ فِيهِ ثُمَّ أَرَادَ الِانْتِقَالَ مِنْهُ إلَى سَكَنٍ آخَرَ كَذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ لَوْ تَرَكَهُ فِي الْمَسْكَنِ الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ حِرْزًا لِمِثْلِهِ بَعْدَ ذَهَابِهِ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ نَقْلُهُ إلَّا إلَى مِثْلِهِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ لَا إلَى دُونِهِ وَإِنْ خَافَ عَلَيْهِ لَوْ تَرَكَهُ فِي الْأَوَّلِ وَجَبَ عَلَيْهِ نَقْلُهُ إلَى مِثْلِ الْحِرْزِ الْأَوَّلِ إنْ وَجَدَهُ وَإِلَّا فَإِلَى حِرْزٍ مِثْلِهِ وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ لَا يُخَالِفُ شَيْئًا مِمَّا قُرِّرَ بَلْ مَا قَرَّرْته هُوَ عَيْنُ كَلَامِهِمْ كَمَا عَلِمْت مِنْ تَلْخِيصِهِ الَّذِي ذَكَرْته وَبِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute