ذَلِكَ يُعَيِّنُ هَذَا، وَحِينَئِذٍ انْدَفَعَ مَا بَنَاهُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: فَكَيْفَ يَسُوغُ لِمُدَّعٍ إلَخْ وَقَوْلُهُ: أَفَتَحْفَظُ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّا لَمْ نَقُلْ ذَلِكَ وَلَا ادَّعَيْنَا شَيْئًا مِنْهُ، وَإِنَّمَا ادَّعَيْنَا أَنَّ لَفْظَ عُتَقَاءَ الْأَوَّلَ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ فَقَطْ
وَهَذَا لَا مِرْيَةَ فِيهِ، وَلَفْظُ الْوَلَدِ وَوَلَدِهِ وَأَسْفَلَ مِنْهُ كُلٌّ مِنْهَا مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ ثُمَّ لَمَّا مَهَّدَ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَالَ: وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ عَبَّرَ بِبَاقِي الْعُتَقَاءِ تَارَةً وَبِالْعُتَقَاءِ أُخْرَى: وَلَمْ يُعِدْ الضَّمِيرَ عَلَيْهِمْ مَعَ أَنَّ الْمَقَامَ يَقْتَضِيهِ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ فَاحْتَمَلَ هَذَا أَنْ يُرِيدَ الْحَقِيقَةَ وَحْدَهَا وَأَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَجَازَ مَعَهَا، فَنَظَرْنَا فِي كَلَامِهِ فَرَأَيْنَا فِيهِ قَرَائِنَ دَالَّةً عَلَى الثَّانِي، وَتَرَجَّحَتْ بِأَنَّ دُخُولَ الْأَوْلَادِ فِي وَقْفِهِ وَاسْتِحْقَاقَهُمْ لِلْأَخْذِ مِنْهُ أَمْرٌ يَقِينِيٌّ، وَالْيَقِينِيُّ لَا يُرْفَعُ بِالْمُحْتَمَلِ، فَأَوْجَبَ لَنَا ذَلِكَ كُلُّهُ كَمَا بَسَطْنَاهُ وَحَرَّرْنَاهُ فِيمَا مَرَّ حَمْلَ الْعُتَقَاءِ عَلَى جَمِيعِ مَا مَرَّ مِنْ الْعُتَقَاءِ وَفُرُوعِهِمْ، فَتَأَمَّلْ بَعْدَ مَا أَحَطْت بِهَذَا التَّحْقِيقِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَتُلِيَ عَلَى سَمْعِك هَذَا التَّدْقِيقُ غَيْرَ كَرَّةٍ.
وَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ حَقِيقَةَ الْغَيْثِ اعْتِبَاطًا أَوْ لِدَلِيلٍ؟ وَهَلْ هَذَا نَظِيرُ أَوْ قَرِيبُ رَأَيْت رَجُلًا شُجَاعًا إلَخْ؟ وَاحْكُمْ حِينَئِذٍ بِمَا هُوَ الْإِنْصَافُ لِتَتَخَلَّصَ مِنْ وَرْطَةِ التَّعَصُّبِ وَالِاعْتِسَافِ، وَقَوْلُهُ: وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ إلَخْ قَدْ مَرَّ مَبْسُوطًا أَنَّ كَلَامَهُ هَذَا مَعَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ أَعْدَلُ شَاهِدٍ وَأَصْدَقُ بُرْهَانٍ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ وَحَقِيقَةِ مَا حَرَّرْنَاهُ، لِإِطْبَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ خُرُوجِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ عَنْ الْأَوْلَادِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِمْ، أَمَّا مَعَ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ قَطْعًا كَمَا أَنَّهُمْ مَعَ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى خُرُوجِهِمْ يَخْرُجُونَ قَطْعًا، فَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي دُخُولِهِمْ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ أَصْلًا، وَإِذَا دَخَلَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فِي الْأَوْلَادِ بِقَرِينَةٍ، فَكَيْفَ لَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ بِقَرِينَةٍ بَلْ بِقَرَائِنَ، بَلْ مَرَّ أَنَّ شُمُولَ الْعُتَقَاءِ لِأَوْلَادِهِمْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْمُشْتَرَكِ وَلَا كَذَلِكَ الْأَوْلَادُ لِأَوْلَادِهِمْ، وَمَرَّ الْفَرْقُ الْوَاضِحُ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا اكْتَفَوْا فِيمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ قَطْعًا بِالْقَرِينَةِ، فَكَيْفَ لَا يَكْتَفُونَ بِهَا فِيمَا هُوَ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ مِنْ بَابِ الِاشْتِرَاكِ.
وَقَوْلُهُ: وَنَرْجِعُ إلَى الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ إلَخْ جَوَابُهُ مَا قَدَّمْته عَنْ السُّبْكِيّ كَابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ تَسَاوِيهِمَا وَتَسَاقُطُهُمَا، وَجَبَ إعْطَاءُ الْفُرُوعِ اسْتِصْحَابًا لِلْيَقِينِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْأَخْذِ وَطَرْحًا لِلشَّكِّ حَذَرًا مِنْ مَنْعِ الْمُتَيَقَّنِ اسْتِحْقَاقَهُمْ بِغَيْرِ دَلِيلٍ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِحَقِيرٍ وَلَا جَلِيلٍ فِي كَثِيرٍ وَلَا قَلِيلٍ، وَاَللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ، فَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلًا وَآخِرًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، يَا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِك وَعَظِيمِ سُلْطَانِك، سُبْحَانَك لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك، فَعِيَاذًا اللَّهُمَّ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك وَبِك مِنْك، وَصَلَاةً وَسَلَامًا عَلَى خَيْرِ أَنْبِيَائِك وَمُبَلِّغِ أَنْبَائِك سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك وَنَبِيِّك النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَكَمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى عَدَدَ مَعْلُومَاتِك وَمِدَادَ كَلِمَاتِك، كُلَّمَا ذَكَرَك الذَّاكِرُونَ وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِك وَذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ، سُبْحَانَ رَبِّك رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ آمِينَ
[كِتَابُ الْإِتْحَافِ بِبَيَانِ أَحْكَامِ إجَارَةِ الْأَوْقَافِ]
(هَذَا كِتَابُ الْإِتْحَافِ بِبَيَانِ أَحْكَامِ إجَارَةِ الْأَوْقَافِ تَقَبَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ، تَأْلِيفُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْعَالِمِ الْعَلَّامَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَجَرٍ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَتْحَفَنَا بِاتِّبَاعِ الْحَقِّ حَيْثُمَا كَانَ، وَلَمْ نَرْقُبْ فِي ذَلِكَ مَنْ سِوَاهُ حَسْبَ الْإِمْكَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَتَبَوَّأُ بِهَا أَعْلَى فَرَادِيسِ الْجِنَانِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَخْصُوصُ بِأَشْرَفِ الْأَوْصَافِ وَالْأَدْيَانِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ مَا زَالُوا يُظْهِرُونَ الْحَقَّ، وَلَمْ يُبَالُوا بِخِلَافِ أَهْلِ الْعِنَادِ وَالْبُهْتَانِ (أَمَّا بَعْدُ) فَإِنَّهُ رُفِعَ سُؤَالٌ أَوَائِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute