للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْقَاضِي وَكَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَجَائِزَةِ الشَّاعِرِ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ لَا يَمْلِكُونَ مَا أُعْطُوهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعْطَوْهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ بِوَجْهٍ جَائِزٍ نَعَمْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنْ نَوَى الزَّوْجُ الْإِهْدَاءَ إلَيْهَا مُبَالَغَةً فِي تَطْيِيبِ خَاطِرِهَا لِأَجْلِ رَدِّهَا إلَى مَنْزِلِ طَاعَتِهِ مَلَكَتْهُ وَإِنْ كَانَتْ عَاصِيَةً لِأَنَّهُ لَمْ يُعْطِهَا حِينَئِذٍ فِي مُقَابَلَةِ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ بَلْ تَجَاوَزَهُ عَنْهَا فِيمَا عَصَتْ بِهِ وَقَصَدَ تَطْيِيبَ خَاطِرِهَا بِبَذْلِ شَيْءٍ مِنْ عِنْدِهِ هَدِيَّةً لَهَا فَتَمْلِكهُ حِينَئِذٍ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بِمَالٍ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّهَا بِغَيْرِ مَالٍ فَحِينَئِذٍ قَصْدُهُ الْهَدِيَّةَ لَا يَرْفَعُ كَوْنَهَا وَقَعَتْ فِي مُقَابَلَةِ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ وَعِنْد وُقُوعِهَا فِي مُقَابَلَتِهِ يَبْعُدُ أَنْ تَمْلِكَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَقَدْ أَسْقَطَهُ بِقَصْدِهِ الْإِهْدَاءَ إلَيْهَا مَعَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهَا فِي مُقَابَلَةِ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ فَتَمْلِكُهُ حِينَئِذٍ فِيمَا يَظْهَرُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَلَدٍ صَحِيحٍ وَأَرَادَ نَقْلَهَا إلَى بَلَدٍ وَبِيئَةٍ فَهَلْ لَهَا الِامْتِنَاعُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ لِأَنَّ الْغَالِبَ السَّلَامَةُ فَهُوَ كَرُكُوبِ الْبَحْرِ إذَا غَلَبَتْ السَّلَامَةُ فِيهِ وَإِفْتَاءُ بَعْضِ أَهْلِ الْيَمَنِ بِأَنَّ لَهَا الِامْتِنَاعُ بَعِيدًا وَأَبْعَدُ مِنْهُ تَأْيِيدُهُ بِأَنَّ الْوَبِيَّةَ شَبِيهَةٌ بِبَلَدِ الطَّاعُونِ وَقَدْ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الدُّخُولِ إلَيْهَا اهـ وَهُوَ فَاسِدٌ إذْ الْأَرْضُ الْوَبِيَّةُ يَجُوزُ الدُّخُولُ إلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِخِلَافِ أَرْضِ الطَّاعُونِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الدُّخُولُ إلَيْهَا عِنْدَنَا فَلَا جَامِعَ بَيْنهمَا نَعَمْ لَوْ حُمِلَ إفْتَاءُ الْقَائِلِينَ بِالِامْتِنَاعِ عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي بِهَا الطَّاعُونُ لَكَانَ وَجِيهًا لِحُرْمَةِ الدُّخُولِ إلَيْهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[بَابُ الْخُلْعِ]

(وَسُئِلَ) فِيمَنْ لَهُ زَوْجَةٌ غَائِبَةٌ عَنْهُ فَقَالَ مَتَى أَبْرَأَتْنِي زَوْجَتِي فُلَانَةُ مِنْ مَهْرِهَا وَهُوَ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ اتِّفَاقًا أَوْ عِنْد ظُهُورِ آيَةٍ كَكُسُوفٍ وَنَحْوِهِ طَلَبًا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهَا رَسُولًا لَيُعْلِمَهَا تَعْلِيقَهُ بِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ فَأَتَى الرَّسُولُ فَقَالَ أَبِرِئْيِ زَوْجَك فُلَانًا مِنْ مَهْرِك وَلَمْ يُعْلِمْهَا بِتَعْلِيقِهِ وَلَمْ تَعْلَمْهُ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْهُ عَالِمَةً مِقْدَارَهُ فَهَلْ تَطْلُقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَوْ يُفَصَّلُ وَهَلْ التَّعْلِيقُ بِالْقَوْلِ كَالتَّعْلِيقِ بِالْفِعْلِ حَتَّى لَا تَطْلُقُ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّعْلِيقِ وَالذِّكْرِ عَلَى مَا فَصَّلُوهُ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابَيْ الْبَيْعِ وَالْخُلْعِ صِحَّةُ الْإِبْرَاء وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بَائِنًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ عَلَّقَ عَلَى الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَهْرِ لَفْظًا أَوْ نِيَّةً لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ إلَّا إنْ بَرِئَ مِنْهُ وَهُوَ فِي مَسْأَلَتِنَا قَدْ بَرِئَ لِتَصْرِيحِ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ كَابْنِ الصَّبَّاغِ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَوْتُهُ فِي التَّعْلِيقِ فَإِذَا بَرِئَ مَنْ يُظَنُّ أَنْ لَا دَيْنَ لَهُ لِدِينٍ قُدِّرَ فَبَانَ لَهُ صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِصْطَخْرِي يَبْرَأُ بَاطِنًا أَيْضًا وَخَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالَ بَعْضُهُمْ الْبَرَاءَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَفِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَوْلَى وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِهَا بَائِنًا وَلَيْسَ التَّعْلِيقُ هُنَا كَهُوَ فِي نَحْوِ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ لِأَنَّ مَحَلَّ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالتَّعْلِيقِ ثُمَّ إنْ قُصِدَ بِهِ الْمَنْعُ مِنْ الدُّخُولِ مَثَلًا فَيُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ عِلْمُ الْمُعَلِّقِ بِفِعْلِهِ بِالتَّعْلِيقِ حَتَّى يَمْتَنِعَ لِأَجْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ امْتِنَاعٌ لِأَجْلِهِ فَلِذَلِكَ اُشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِالتَّعْلِيقِ وَأَمَّا فِي صُورَتِنَا فَالْمُعَلِّق بِالْبَرَاءَةِ رَاغِبٌ فِي حُصُولِهَا سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِالتَّعْلِيقِ أَمْ لَا يَعْلَمُ فَلَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالتَّعْلِيقِ هُنَا وَجْهٌ أَلَّا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ بِفِعْلٍ وَلَمْ يَقْصِدْ مَنْعَهَا مِنْهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِهِ عَلِمَ فَاعِلُهُ بِالتَّعْلِيقِ أَمْ لَا فَكَذَلِكَ فِي صُورَتِنَا بَلْ أَوْلَى.

(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ طَلَاقُك بِصِحَّةِ بَرَاءَتِك إلَّا شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ اللَّهُ قَدْ أَبْرَأك ثُمَّ بَعْد ذَلِكَ قَالَ لِجَمَاعَةٍ اشْهَدُوا عَلَيَّ أَنِّي قَدْ رَدَدْتهَا فِي عَقْدِ نِكَاحِي مِنْ نَهَارِهَا ظَانًّا أَنَّهَا طَلُقَتْ مِنْهُ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَمْ لَا يَقَعُ وَهَلْ يُفِيدُهُ رَدُّهَا إلَى عَقْدِ نِكَاحِهِ إلَّا صَحَّ الطَّلَاقُ بِمَا قَالَهُ أَمْ لَا يُفِيدُ أَوْ لَا عِبْرَةَ بِمَا قَالَهُ لَهَا وَقَالَتْهُ لَهُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ فِي الزَّوْجِيَّةِ أَفْتَوْنَا مَأْجُورِينَ نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِكُمْ الْمُسْلِمِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ آمِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>